مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

من نفحات ربانية بقلم أ. عبد العزيز كحيل

عبد العزيز كحيل أ.    عبد العزيز كحيل

  هذه كلمات إلى كلّ مسلم يحترق قلبه العامر بحبّ الله ورسوله من أجل هذا الدين، يعنيه أمر الدعوة والإصلاح والاستقامة على منهج الإسلام، ويجد في نفسه تضايقا من مشاغل الحياة الدنيا الطاغية، بل يتضايق حتى من بعض الأنشطة الدينية التي إذا طال عليها الأمد لا ترقّق القلوب ولكن تجعلها قاسية، ولا تزكّي النفوس وإنما تتركها عرضة لأنواع التلوّث والجفاف، إننا نشكو هذه الأعراض ونحن داخل الصفّ الإسلامي وفي معترك العمل الدعوي، فكيف لو ابتعدنا عنها وأسلمنا قوادنا للدنيا المؤْثرة والأنشطة المنسية؟ غرق كثير منّا في وَحَل السياسة وضاعوا في تتبّع أخبار المآسي والجديد من سفاسف الأمور والأخبار التافهة حتى لم يبق يربطهم بالربانية إلا خيط رقيق، وهم لا يشعرون.

  إننا في أمسّ الحاجة إلى تذكير دائم وتنبيه مستمرّ وترويح على النفس بنفحات ربانية ترفع مستوانا وتُطمئن قلوبنا وتزيدنا قوة وثباتا وتعصمنا من الزلل.

  يقول الإمام ابن القيم: ” لابدّ من سِنة الغفلة ورُقاد الغفلة لكن كن خفيف النوم”، وقد أخذ هذا من قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[سورة الأعراف:201]، لك عذر حين تمسّك الغفلة فتكون ضحية لنوم خفيف أو عميق، ولكن إياك واستمراء ذلك فإنها ترمي بك في أودية البُعد عن الله، قم إذًا واسترجع نشاطك واقتحم العقبة ولا تتذرع بظروف غير مواتية، ولا تترخّص بسبب سنّك أو منصبك، فإنك مطالب باليقظة والإقبال القوي حتى يأتيك اليقين، ولا سبيل للنجاة إلا هذا، وموقف الآخرة عسير فلا تعجبْ ممّن هلك كيف هلك ولكن اعجب ممّن نجا كيف نجا.

  وأوّل أدوية الوقاية من الغفلة اغتنام الأوقات والشحّ بها كما تواصى العقلاء من قديم، وهذا الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله، يقول لك: دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة، هذه دقائق الليل فكيف بساعات النهار؟ إن تغافلتَ عن بعضها ضيّعت حقوق الله أو حقوق الناس أي ضيّعت نفسك، وقد قال الإمام ابن الجوزي في آخر حياته: “وها أنذا أحفظ أنفاسي من أن يضيع منها نفَس في غير فائدة “، فإذا تجاوز المؤمن الغفلة إلى الفراغ كانت الطامة، لذلك أوصى شعبة بن الحجاج، رحمه الله، فقال: لا تقعدوا فِراغا فإن الموت يطلبكم، فهل أدخلت فيها في حسابك؟

  وخطوة أخرى تيسّر لك السير هي مجالسة ومصاحبة مَن يُنهضك حاله ويدلّك على الله مقالُه، ولن يكون إلا من أصحاب العزائم القوية والتصميم الحازم، كما قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله: سيروا مع الهمم العالية، فهي حَرية أن تنشّطك وتُمدّك بأسباب الإقدام في مجالات التحصيل والبذل والعطاء، وترتفع بك عن المألوفات ودوائر الرداءة والقعود، ولا تقل لا يوجد هؤلاء فإن الأرض لا تخلو من الصالحين – على قلتهم – وأرباب القلوب والعقول والسلوك، فابحث عنهم بجدّ بل كنْ منهم وأثبتْ ذاتك وشنّف أسماع المنتظرين بقول طرفة بن العبد:

  إذا القوم قالوا مَن فَتى خلتُ أنني عُنيتُ فلم أقعد ولم أتبلّدِ

  وحتّى الفرار إلى سِيَر عباد الله الصالحين وإحياء ذكرهم والتنزّه في رياضهم منقبة جميلة، وقد قال بشر الحافي: بحسبك أن قوما موتى تحيى القلوب بذكرهم وأن قوما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم، وشتّان بين من إذا أبصرته دبّ إليك النشاط وأحسست بالحلاوة، لأن الله أكرمه بسِيما الطائعين المحبّين، وبين من لا تنبعث من وجهه إلا ظلمة التقصير والمعصية، لكنّك قد تقترب من هؤلاء الصالحين فيبتعدون عنك، فلا تسارع إلى الاتهام وسوء الظنّ واسمع ما يقوله المجرّبون أمثال التابعي بكر بن عبد الله المزني: إذا وجدت من إخوانك جفاء فذلك لذنب أذنبتَه فتُبْ إلى الله تعالى.

  وما أجمل الاستعلاء على الواقع بخلوة موسمية، تغلق عليك بابك وتذكر خطيئتك وتبكي على نفسك وتتمثّل مراحل رحلة الموت من الاحتضار إلى القبر والسؤال والبعث والنشور والحساب والكتاب والميزان إلى المستقر في جنة النعيم إن شاء الله.

  فعلّم قلبك الخشوع وعينك الدموع واجعل لسانك أبدا رطبا بذكر الله.

  ولكن لا تنقطع عن مهامّك، فالداعية ينقل الناس من البحر الميّت إلى المحيط الهادي بالكلمة الطيبة والعمل المثمر والتذكير المستمرّ والقدوة الحسنة والإبداع المتفنّن والابتكار النافع حتى يكون الدين كله لله، فلا تتغافل عن شيء من هذا.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى