غير مصنف
الوطن العربي ومعادلات الفشل..! بقلم الشيخ كمال أبو سنة
عانى الوطن العربي فترة طويلة من الاستعمار الذي كان ضرره المعنوي أكبر من ضرره المادي، وما تزال تبعات هذا الضر تلاحق شعوبه إلى يوم الناس هذا..!
لقد احتل الغرب مناطق شاسعة من هذا الوطن، وإن كان من الشر ما يُختار، كما قال الإمام عبد الحميد بن باديس-رحمه الله-، فإن شر الاستعمار الفرنسي كان أكبر وأعظم من شر الاستعمار البريطاني الذي كان انتدابا لا استيطانا، وما يعانيه العالم العربي اليوم من مشكلات وأزمات تتحمل الدول الغربية الاستعمارية جريرته، وما تنعم به من خيرات هو حصيلة استنزافها لثرواتنا التي أسست عليها حضارتها في القرن الماضي، وفي بدايات هذا القرن..!
إن هبة الشعوب التي شهدتها بعض الدول العربية في ما سُمي بـ“الربيع العربي” التي انطلقت من تونس وشقيقاتها ضد السلطات الجبرية التي تولت الحكم مباشرة بعد خروج الاستعمار كانت تعبر بحق عن مستوى من الاحتقان والاختناق الشعبي وصل إلى حد لا يُطاق، فكان الضغط الذي ولَّد الانفجار الذي لم يكن متوقعا بذلك الحجم وتلك النتائج، ولم يكن الواقع بعد الانفجار مهيئا لبناء حياة جديدة تكون للشعوب المستضعفة كلمة الفصل في اختيار منهاج الحكم الذي تريده، والحاكم الذي يحكمها..!
التجارب التي شهدها الناس بعد الثورات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الغرب الذي يدعي “ربوبية الديمقراطية” كان من أعظم المؤيدين للديكتاتوريات التي صنعها في أكثر من بلد بيديه، ولم يعد خافيا أنه من أشد المعارضين لإطلاق الحريات في منطقتنا، وظهرت بجلاء مؤامراته على خيارات الشعوب التي لم ترقه، وقد كشفت بعض التقارير والتصريحات لشخصيات غربية مرتبطة بمواقع صنع القرار في أمريكا وبعض الدول الأوربية أن الغرب تفاجأ بما حدث في دول الربيع العربي ولم تكن هذه الثورات مؤامرة غربية كما أراد بعض بني جلدتنا التسويق لها، وإن كانت اليد الغربية بعد ذلك ظاهرة في محاولة توجيهها نحو مآلات خطيرة، وأحسن مثال على ذلك ما حدث في ليبيا وسوريا من فوضى، وبدرجة أقل في مصر التي تم وأد التجربة الديمقراطية الوليدة في مهدها وهي الآن تقف على فوهة بركان، وفي تونس التي لم تخف عن الأعين الضغوطات الغربية عليها، بالأخص الفرنسية، حتى لا تتكرر التجربة المصرية فيها، وتجارب أخرى سبقتها، ولعل الإسلاميين في تونس، بزعامة راشد الغنوشي، كانوا أكثر واقعية ورشد في تعاطيهم مع التحديات الخارجية والداخلية..!
لقد أراد الغرب، وعلى رأسه الولايات الأمريكية المتحدة، أن يركب موجة ثورات الربيع العربي ليصنع منها سيكس-بيكو جديدة حفاظا على مصالح أمريكا وحلفائها الغربيين في الشرق الأوسط، وعدم المساس بأمن الكيان الإسرائيلي، ومحاربة ما يسمى بـ “الإرهاب”، والحفاظ على إمدادات النفط في المنطقة، وتأمين المرور عبر قناة السويس كما يحلو له، وهذا ما أشار إليه“كيسنجر” في إحدى مقالاته المنشورة بعد قيام ثورات الربيع العربي، ولهذا فإن المنطقة العربية لم تمر بمرحلة أخطر من هذه المرحلة التي تعيشها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى..!
إن الصراع الدائر في أكثر من أرض عربية والاحتقان السياسي الموجود في بعضها الآخر لا بد له من نهاية، والنهايات قد تختلف على حسب طبيعة المتصارعين، ولكن يجب أن تدرك جهات الصراع أن أي صراع بين أبناء الوطن الواحد، والأرض الواحدة، لن يكون فيه منتصر بعد دمار الدار، لأن المنتصر فيها منهزم، والمنهزم فيها منهزم..!