غير مصنف
الاستثمار في “الإنسان” لتعمير “المكان” بقلم الشيخ كمال بوسنة
انهيار أسعار البترول مستمرة، وقلوب الجزائريين بلغت الحناجر خوفا من مستقبل أسود ينتظرهم، لأن ما تنتجه الجزائر من بترول يكاد لا يفي إلا بسعر التكلفة وبشيء من الأرباح لا توفر الأمن الاقتصادي المطلوب بعد بحبوحة خيالية لم تُستثمر لمثل هذا اليوم الصعب..!
هل يمكن أن يكون التقشف حلا لأزمتنا الاقتصادية التي تنبأ بها الخبراء منذ سنوات محذرين من تداعي انهيار أسعار البترول، ولكن الأمور بقيت تسير على نفس النهج وكأننا خارج دائرة التهديد، ونملك اقتصادا قويا يستغني عن ريع البترول الذي حولنا للأسف إلى مستهلكين غير منتجين.؟!
الذين يراهنون على التقشف حلا وقتيا حتى تعود أسعار البترول إلى سابق عهدها في الارتفاع لا يقدمون حلا حقيقيا للجزائر في حاضرها ومستقبلها، فاعتمادنا على البترول الذي سينتهي عهده بالنفاذ أو بتحول المستهلكين لهذه المادة إلى طاقات بديلة، يلزمنا أن نبني اقتصادنا على “الإنسان” فنراهن عليه بعد تهيئته، فكريا ونفسيا، ليكون العامل الرئيسي لنهضة البلاد…”الإنسان” الذي يساهم في الإنتاج ولا يكون عالة على غيره في صناعة غذائه وكسائه ودوائه وسلاحه…وهذا المعنى قد أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة التي رواها أصحاب السنن – وحسنها بعض أهل العلم- عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- أن رجلا من الأنصار أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، يسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال: ائتني بهما. قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟ قال: رجل أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به. فأتاه به فشد فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عودا بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما. فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع”.
لقد دلت التجارب أن بعض البلدان التي لا تملك ما تملكه الجزائر من مواد طبيعية في البر والبحر ارتقت وازدهرت في كل المجالات حين تحول “الإنسان” نفسه إلى حل، وليس إلى مشكلة، لا تعيقه الصعوبات في إيجاد مخارج لعيشه، ولا يستهلك إلا ما تنتجه يده، بل ويساهم في تصدير إنتاجه إلى غيره، فيتحكم في أسواقهم، وقد أصبح القوي اقتصاديا والمؤثر في أسواق الآخرين في عالمنا المعاصر كالذي يملك”قنبلة نووية” يُحسب له ألف حساب..!
إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر هي نتيجة لأسباب عديدة في التربية والسياسة والاجتماع والتعليم بأطواره…إننا بحاجة إلى منظومة متكاملة للنهضة الشاملة يحققها رجال خُلقوا لأداء هذه المهمة الجليلة…رجال يعيشون لخدمة الأمة، ولا تعيش الأمة لخدمتهم..!