مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

جرائم تفجير المساجِد على السّاجِد بقلم أ.د عبدالرزاق قسوم

قسوم أ.د عبدالرزاق قسوم

  نبرؤ إليك –اللّهم- مما يأتيه، بعض المسلمين، في ديار الإسلام، من تجويعٍ للجميع، وتفجيرٍ وتكفيرٍ، فبعد محاصرةٍ وتجويع، وترويع   زغبِ الحواصل، والأمّهات الحوامل، وما تبعَ ذلك من مهازِل، ها هي الطائفية العمياء، والعصبية الرّعناء، تنزعُ القداسة عن المعابدِ، فتفجّرُ المسجِد على العابد، وتحكمُ بتكفير السّاجد والشّاهد.

  فأيّة عقيدة هذه، التي تبيحُ التجويع والتّرويع، وتُفتي بالتكفيرِ والتفجير؟ وأيّة مذهبية –أيًّا كان دينها- تُقدِم على اغتيال البراءة، بهذا الأسلوب من الدّناءة، فتشوّه وجه الإسلام، وتدوسُ على إنسانية الأنام، باسم الإسلامِ المظلوم، والحقّ الإنساني المهضوم.

  كنّا نعيبُ على المتعصّبين الغربيين، والنازيين الصهيونيين، مما يفعلونه بالمسلمين، والفلسطينيين، فنُسلِي النّفسَ بأنّ هؤلاءِ كفرة، لا يحكمهم دين، ولا تزجرُهم قوانين. لكن ما الحيلة إذا كان هذا الذي يُصيب المسلمين في ديار الإسلام من بني جلدتهم يقولون بألسنتهم: لا إله إلا الله، ويشهدون “بأنّ عليًا وليُّ الله”.

  فهل يرضى الإسلام، تحت أيِّ عنوان مذهبي كان الإعدام الجماعي الذي يتّمُ باسم الحصار السياسي، الطائفي، المفروض على بعض مناطق سوريا كمضايا، وإدلب، وغيرها؟ ألا تصفر وجوه القائمين على هذا الحصار وهم يرون المناظر المخجِلة، لبقايا الإنسان من الأطفال، والنّساء والشيوخ، وهم يُحتضرُون جوعًا، ويرفعون أكّف الدّعاء إلى الله، بأن ينتقم لهم، من الذين فرضوا عليهم الجوع وسط خصوبة وغنى الرّبوع، فحرموهم الماء بعد تجفيف الجداول، ومنعوهم الدواء، والهواء، بعد تسميم وتلويث المصحّات والمعالم.

  ألاَ تبًّا لزمرةٍ تهُون عليها القيم الإنسانية وتستخّف بالمعتقدات الإسلامية، بل وتتعرّى من أدنى المبادئ السياسية في تنظيم علاقة الرّاعي بالرّعية.

  ولا تزال دموعنا منهمرة من هول هذا المشهد العدواني، على العقيدة الإسلامية والحقوق الإنسانية في سوريا الشهيدة، حتى روّعتنا العراق بتصاعد جزرها الطائفي، وعنفها الأعمى بالقتل على الهويّة، روّعتنا أكثر بالإقدام على جريمة التفجير المذهبي المقِيت لمساجد السنّة، بيوت الله، التي تهدِم منابرها، وتحرقُ مصاحفها، ويقتل ساجِدَها، وعابدَها، ولا من “ذنبٍ” لها إلاّ “سنيّتها”… فيا للرزيّة، مما تفعله الفتنّة الطائفية! {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:8/10].

 يحدث كلّ هذا في زمن الدعوة إلى حوار الأديان، ومؤتمر التقريب بين المذاهب. فإذا كان علماء الشّام والعراق من السنة يعلَمون هذا ويصمُتون، فإنّ السّاكت على الحقّ شيطانٌ أخرص.

  وإذا كان علماء المذهب الشيعي يعلمُون هذا ويُباركونه بالقولِ أو بالصمت تقيّةً، فكيف يكون جوابهم أمام الله يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين؟ وإلا فما هو المبرّر لكلّ هذا التجويع، والتّرويع، والتفجير، والتكفير، دينيًا أو سياسيًا، أو أخلاقيًا أو إنسانيًا؟.

  تالله إنّنا لفي حرجٍ كمسلمين من هذا الذي تقدّمه لنا شاشات التلفزيون العالمية من مآسي إنسانية، تحدث في سوريا والعراق، واليمن، وغيرها.

  لقد سبق وأن أعلنَّا، بأنّ إعدامَ عالمٍ أو زعيمٍ سياسي، في أيّة بقعة من العالم، منذ إعدام “سيِد قطب” إلى الشيخ “النمر” هو خطأ أيًّا كانت الجرائم المنسوبة إلى هذا العالِم… فالإعدام يجعل من المعدوم شهيدًا زعيمًا يتبرّك النّاس بقبره، ويترحمّون على موته، ويتقرّبون إلى الله بسبّ معدِميه.

  لئن كان هذا هو موقفنا من إعدامِ عالِم، أيّ عالِم، فماذا يكون موقف كلّ العقلاءِ من إعدامِ الصّبية، الرّضع بالتجويعِ والقضاءِ على السّجد الرّكع بالتكفير والتبديع؟.

  جزى الله الفاعلين المقدِمين على هذه الجرائم بما يستحقّون. فقد فتحوا على أمّتنا جرحًا غائرًا لا يندمِل، وشتاتًا طائفيًا مذهبيًا لا يكتمِل. فما هو المخرجُ –إذن- من هذه الفتنّة العمياء، التي يبوءُ بإثمها دعاةُ الطائفية العمياء، الذين يغتالون النّاس على الهويّة، ويهدِمون الصوامعَ والمنابر على أساس المذهبية {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}[البقرة: 114].

  لقد بلغ السّيلُ الزُّبَى، واشتدّت عتمة الليل المظلِم، في سماءِ أمّتنا، ولم يعُد مقبولاً سكوت العلماء، والأمراء، والحكماء، والعقلاء، أمام الدّموع التي تسيلُ أنهارًا، والدّماءُ التي تُسكَبُ جهارًا، والأعراضُ التي تُنهَكُ نهارًا.

   آنَ الأوانُ، لأنْ يضطلع كلّ واحدٍ بمسؤوليته، لوضعِ حدٍ لهذه المآسي السياسية، والدينية، والأخلاقية.

  فإنْ لم يطفِئها عقلاءُ القومِ، فإنّنا نُوشِكُ –في القريبِ العاجلِ- أن نبحثَ ذات يوم عن أمّتنا فلن نجدَها، ويومها نندم ولاة حين مناص، نحن –يشهدُ الله- قد بلّغنا، فاللّهم فاشهدْ!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى