
عاشت ولاية عين الدفلى خاصة والجزائر عامة ليلة الخميس الماضية حدثا مؤلما تفطرت له القلوب ودمعت له العيون واهتزت له الضمائر الحية، وهو مقتل الإمام الفاضل حاج أفغول بعد أن صلى المغرب بمسجد الهدى حيث كان في انتظاره وعند مدخل بيته قاتله الذي طعنه عدة طعنات أردته ميتا في فناء بيته تاركا وراءه زوجتين وثمانية أولاد.
ولد الفقيد -رحمه الله- في 14/06/1964 بعين الدفلى واختار طريق القرآن فحفظه في زاوية العبادية متمثلا في ذلك حديث رسول الله –صلى الله عليه سلم- : “خيركم من تعلم القرآن وعلمه“. ثم واصل تكوينه بمعهد تكوين الإطارات الدينية بولاية سعيدة ، وبعد تخرجه عين إماما بولاية برج بوعريريج إلى غاية سنة 1998 أين انتقل إلى مسقط رأسه إماما بمسجد الهدى.
بدأ جهاده الأكبر في كل ربوع الولاية، وقد يتعداها أحيانا إلى ولايات مجاورة، و لم يكن إماما حبيس جدران المسجد، ففوق ما أداه من دعوة صادقة وتحفيظ للقرآن، علم رحمه الله حاجة المجتمع فاشتهر بالمعروف وإصلاح ذات البين، متمثلا في ذلك قول الله تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف إو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما“. كان يستجيب لكل دعوة للإصلاح مهما كانت الأسباب والخلافات، بل كان لا ينتظر الدعوة لذلك ولكنه ما إن يسمع بخصومة حتى يبادر بالإصلاح نبذا للخلاف المدمر، وإطفاء لنار الفتنة المحرقة. وكان الإصلاح آخر عمله، إذ قبل يوم من وفاته مشى للإصلاح بين أخوين متخاصمين. ولذلك كان القاضي بالولاية يستشيره ويستعين به في قضايا كثيرة، فكان رحمه الله قاضيا في الميدان دون بذلة القضاة الرسمية.
كما كان -رحمه الله- صاحب شفاعة لا ترد، لا يبخل بها على كل من استشفعه في الحق، فقبل يومين من وفاته جاءه فلاح يريد كراء أرض امتنع أصحابها عن كرائها، فلما شفع له قبلت شفاعته، متمثلا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : “اشفعوا تؤجروا “.
وكان المتداينان لا يحتاجان إلى توثيق دينهما بل يكفي أن يشهد هو على هذا الدين، فكان رحمه الله موثقا دون أن يحتاج إلى ختم الموثق.
عرف أيضا -رحمه الله- بحسن خلقه وخفة ظله، فكان بارا بوالديه و قد زارهما في اليوم نفسه وأوصى أمه بوالده الذي أجرى عملية خيرا، حسن المعاشرة مع أهله وأولاده، وكان لا يمر بمجلس أو جماعة إلا حدثهم بما يفرحهم بشوشا مع الكبير والصغير، يبذل من المعروف ما يستطيعه ويكف الأذى عن جميع الناس، متمثلا قول ابن المبارك رحمه الله: “حسن الخلق بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى” .
وكان -رحمه الله- يشهر سيفه البتار ضد الفساد والانحراف والأشرار ممن يفسدون في المجتمع ولا يصلحون ، فيخصص الدروس والخطب نهيا ووعظا ودعوة، فكان شرطيا ميدانيا بسلاح العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وهو من صميم عمل الإمام ولكن دون تقنين ولا مقابل وكثيرا ما كان هذا العمل هو السبب في قتل وضرب الأئمة ثم ينجو المجرم بتحرير شهادة طبية تزعم التخلف العقلي؟- متمثلا في ذلك قول الله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله“ .
وله من مكارم الأخلاق ما أخفاها عن الناس، استأثر بها للقاء ربه فهي إن شاء في ميزان حسناته.
فهل بعد كل هذه الجهود، يمكن لأحد أن يتهم الأئمة بأنهم لا يعملون إلا ساعة في الأسبوع؟
وهل صاحب هذه الخصال الحميدة يقتل؟
ولماذا لا توفر الحماية لأصحاب المناقب كما توفر لأصحاب المناصب ؟
وكيف للأئمة بعد هذا القتل –وغيره مما سمعنا به في ولايات عديدة – أن يقوموا بواجبهم في أخلقة المجتمع كما يطلب منهم الوزير؟
وإلى أن توفر لهم الكرامة والحماية -الواجب الحتمي على الوزارة – فإن الأئمة ماضون في واجبهم يستشعرون معية الله تعالى القائل: “وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” . و القائل ” إن الله مع الصابرين” .
رحم الله تعالى الفقيد الذي دفن بمقبرة سيدي يحي هو الذي سأله زميله الشيخ رضوان عن الأجرة الشهرية المتأخرة في اليوم الذي مات فيه – وهي عادة الأجرة الشهرية في قطاع الشؤون الدينية أن تتأخر – فقال: سنأخذها في سيدي يحي.
وعظم الله أجر الأئمة جميعا في كل ربوع الوطن، ورزق الله أهله الصبر وحفظهم بعينه التي لا تنام .
رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف