مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

مدرسة الحديث الجزائرية بقلم الشيخ كمال أبوسنة

أبو سنة كمال الشيخ كمال أبو سنة

  جرى بيني وبين بعض الأفاضل في اجتماع المجلس الوطني لجمعية العلماء حوار حول أهمية إعادة بعث مدرسة الحديث في الجزائر، وتكون جمعية العلماء رائدة في هذا المسعى الجليل، وقد بدأت بعض النشاطات في هذا المجال تحتاج إلى تشجيع واستمرار.

  والحق أن علماءنا اهتموا منذ القرن الرابع الهجري بالسنة النبوية الشريفة وكُتبها، خاصة كتاب الموطأ، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، حيث رحل منهم عدد كبير إلى بقاع الأرض للتواصل مع أهل العلم للدراسة وأخذ الإجازة لرواية أمهات كتب الحديث، ثم قاموا بدورهم في نشر السنة ودراستها وتدريسها، فاعترف بفضلهم كبار علماء الدنيا، ويكفي علماء الجزائر فخرا أن أول من شرح صحيح البخاري الذي يُعتبر أصح كتاب بعد كتاب الله هو الإمام الجزائري أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي المتوفى سنة 402هـ، وقد اعتمد عليه كثير من شراح صحيح البخاري، وأشهرهم الإمام ابن حجر العسقلاني، رحمه الله، في كتابه “فتح الباري” حيث قال الإمام ابن حجر-رحمه الله- في معجمه: “كتاب شرح الموطأ، وكتاب شرح البخاري، كلاهما تأليف أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي المالكي التلمساني أنبأنا بهما أبو علي الفاضلي عن أحمد بن أبي طالب عن جعفر بن علي عن محمد بن عبد الرحمن الحضرمي عن عبد الرحمن بن محمد بن عتاب عن يوسف بن عبد الله النمري (ابن عبد البر) عنه إجازة …”.

  كانت بجاية وتلمسان والجزائر العاصمة وتيهرت وغيرها من المدن الجزائرية مراكز علمية تحفل بالعلم والعلماء، ويكفي بجاية فخرا -على سبيل المثال- كما ذكر المؤرخ ياقوت الحموي، رحمه الله، أن العوام “في بجاية كانوا يحفظون عن ظهر قلب المدونة والموطأ والبخاري”، ولما دخل الإمام عبد الرحمن الثعالبي-رحمه الله- بجاية في القرن التاسع الهجري وجدها تعج بالفقهاء والمحدثين، نساء ورجالا، ومنهم من كان يحفظ أمهات كتب الفقه والحديث.

  ثم جاءت المرحلة الخطيرة في حياة الجزائر التي جاس فيها الاحتلال الفرنسي خلال ديارنا فاحتل الأرض، وسعى في خراب الإنسان الجزائري بكل الوسائل، منها وسيلة “التجهيل الممنهج” ونشر “التدجيل المبهرج” بعد أن كانت الأمية شبه منعدمة في ربوع الجزائر ولا يخلو بيت من بيوتاتها من حافظ للقرآن الكريم، وفي هذه المرحلة البائسة بدأ يقل الاهتمام بعلم الحديث، حفظا وشرحا وتعليما، كما كانت عادة علماء الجزائر في القرون التي سبقت احتلال الجزائر.

  إن جهود جمعية العلماء في إحياء ما اندَرَس من السنة، ونشر علومها، لا يخفى على الباحثين، ويكفي أن الإمامين ابن باديس والإبراهيمي، رحمهما الله، إلى جانب ما قاموا به من شرح لأهم كتب الحديث، حاولا أن يبعثا المدرسة الجزائرية في علم الحديث، رواية ودراية، وذلك بتأسيس دار الحديث في تلمسان بقيادة العلامة الإبراهيمي، ولو كتب الله لها الاستمرار كما خُطط لها لأصبحت منارة علمية، بالأخص في هذا التخصص الجليل، فتجعل أفئدة من طلبة العلم تهوي إليها، والأمل معقود اليوم على علماء جمعية العلماء بتلمسان وغيرها للمضي في هذا السبيل وهم أهل لذلك، وإننا نرى تباشير توحي بأن القادم مملوء بالخيرات بإذن الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى