مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
قضايا الأمـــة

هل هي بداية انهيار السلطة الفلسطينية؟ بقلم أ.حسين لقرع

 

لقرع حسين أ. حسين لقرع

  عقد المجلس الوزاري المصغر في الكيان الصهيوني الأسبوع الماضي اجتماعا خصّصه لدراسة الاحتمالات المتزايدة بانهيار السلطة الفلسطينية وما سينجرّ عن ذلك من أخطار على الاحتلال، وقال رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بصريح العبارة إنه يتوجب العمل على “منع ذلك قدر الإمكان”، الأمر الذي يعكس الرعب الذي بات يجتاح الكيان الصهيوني من إمكانية انهيار السلطة في أي لحظة.

   نشأت السلطة الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو الذي جرى توقيعه في سبتمبر 1993 بين حكومة العدو برئاسة اسحاق رابين آنذاك ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات. وكانت مهمتها الأساسية مواصلة المفاوضات مع الحكومة الصهيونية للوصول إلى اتفاق نهائي يحل القضايا العالقة التي أجّلها اتفاقُ “غزة- أريحا أولاً” وفي مقدّمتها شروط إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الضفة الغربية وغزة، وحل قضايا القدس واللاجئين والمياه…

   خاضت السلطة الفلسطينية لهذا الغرض مفاوضاتٍ مراطونية شاقة مع مختلف رؤساء الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ 1993 إلى حد الساعة، أي منذ قرابة 23 سنة، ولكنها لم تُفض إلى أي نتيجة تخدم الفلسطينيين وتقرّبهم من حلمهم بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

   وخلال هذه المدة الطويلة، تصاعد الاستيطان بالضفة الغربية بشكل غير مسبوق، وقضمت المستوطنات المتوالدة كل يوم كالفطريات أجزاء هامة من الضفة وقطّعت أوصالها بشكل جعل قيام “الدولة الفلسطينية المستقلة”، أمراً غير ممكن، كما ارتفع عددُ المستوطنين هناك إلى قرابة نصف مليون مستوطن. في حين تحرّرت غزة من الاحتلال في 15 أوت 2005 بفضل المقاومة التي أجبرت رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون على سحب جنوده ومستوطنيه معاً تحت مسمى “فك الارتباط أحادي الجانب”.

   ويعود السبب الأول في تصاعد الاستيطان في الضفة إلى سياسة السلطة الفلسطينية التي أصرّت على رفض تواجد أيّ شكل من أشكال المقاومة هناك، ووفرت للمستوطنين أمناً لم يكونوا يحلمون به بفضل “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، تطبيقاً لاتفاقية أوسلو 1993، وهو الأمر الوحيد الذي “نجحت” فيه السلطة للأسف، وعاد بعواقب وخيمة على القضية الفلسطينية.

   لقد تبيّن اليوم أن هدف الاحتلال من اتفاقية أوسلو كان “التنسيق الأمني” مع السلطة الفلسطينية، بغرض حماية مستوطنيه وتمكينه من توسيع الاستيطان دون قلاقل، وهو ما تمكّن من تحقيقه في الضفة حيث ينتشر 12 ألف شرطي فلسطيني درّبهم الجنرال الأمريكي دايتون على كيفية مواجهة المقاومة، في حين عجز عن ذلك في غزة بفضل المقاومة التي تصدّت له أولاً ودحرته في أوت 2005، ثم للسلطة الفلسطينية ثانياً وأخرجتها من القطاع في صيف 2007، حينما تبيّن لها حجمُ الضرر البالغ الذي ألحقه بها “التنسيق الأمني” بين شرطة السلطة والاحتلال هناك.

   واليوم وقد انهارت تماماً مفاوضات “السلام” المزعوم في ظل إصرار الاحتلال على مواصلة الاستيطان في الضفة وعرقلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، سقطت آخر الأوهام الفلسطينية وانتاب اليأس الرئيس عباس ومرافقيه الذين هددوا مراراً بإيقاف التنسيق الأمني وحل السلطة دون أن تكون لهم الشجاعة للإقدام على هذه الخطوة، وباتت مؤشرات انهيار السلطة كثيرة ولاسيما بعد أن تصدّت ثلة من الشبان الفلسطينيين في القدس وبعض مدن الضفة للاحتلال بشكل فردي وكثُرت حوادث الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات للمستوطنين وجنود الاحتلال منذ أول أكتوبر 2014، ما يعني أن الشبان الفلسطينيين الذين وُلدوا بعد أوسلو لم يعودوا يؤمنون بمسار التفاوض و”السلام”، ولم يعودوا يقبلون بوضعية سلطتهم التي ركنت إلى اليأس والعجز ولم تقدّم أي بديل عن المفاوضات ووهم “السلام” كـ”خيار استراتيجي وحيد”، فأخذوا زمام الأمور بأنفسهم…

   الاحتلال الآن مرعوبٌ من إمكانية انهيار السلطة والذي يعني له شيئا واحدا وهو انتهاء “التنسيق الأمني” وعودة المقاومة بقوة إلى الضفة لتكرّر سيناريو غزة والتحرير؛ إذ سيجد جنود الاحتلال والمستوطنون في الضفة أنفسهم وجها لوجه مع أبطال المقاومة، ولن تكون هناك شرطة فلسطينية لحمايتهم والدفاع عنهم، كما حدث طيلة 23 سنة السابقة.

   لذلك يتداعى نتنياهو وليفني وقادة الاحتلال إلى البحث في كيفية منع انهيار السلطة الفلسطينية قصد الإبقاء على هذا “المكسب الثمين” وهو بقاء 12 ألف شرطي فلسطيني لحماية الجنود والمستوطنين ومطاردة أي أثر للمقاومين بالضفة والزجّ بهم في السجون، في حين يواصل الاحتلال التفرّغ لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية.

   هو واقعٌ مرّ نجم عن فخّ وقع فيه بعض الفلسطينيين منذ 23 سنة، وهم مدعوّون الآن إلى الخروج منه بأي طريقة. لقد أُنشِئت السلطة الفلسطينية كوسيلة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن الصهاينة لا يريدونها أكثر من وسيلة لمحاربة المقاومة في الضفة الغربية تحت مسمى “التنسيق الأمني”، وفي ظل الفشل في إقامة الدولة المستقلة، تحوّلت السلطة إلى عقبة كؤود أمام تحرر الفلسطينيين، وحان الوقتُ لتزول هذه العقبة أو يزيلها الفلسطينيون بأنفسهم، ولم يعد هناك حل آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى