تحاليل وآراءقضايا الأمـــة
استثمار الأوقاف الجزائرية: واقع وآفاق بقلم د. فارس مسدور

مدخل:
تطرح العديد من التساؤلات عند الحديث عن الأوقاف الجزائرية تتمحور في مجملها حول الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأوقاف في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، إلا أن الواقع الذي يطرح نفسه هو أن الأوقاف في الجزائر ليس لها ذلك الدور الذي كان يرجوه الواقفون لأموالهم، اللهم إلا الدور الديني بكل جوانبه الوعضية والتعليمية وفق الأساليب التقليدية التي لم تطور بالشكل الذي يواكب التطورات الحاصلة في المجتمع الجزائري.
قبل العهد الاستعماري الفرنسي أي خلال العهد العثماني، نجد أن الأوقاف كانت تلعب دورا هاما في حياة المجتمع، فكانت الأوقاف توفر مناصب شغل هامة حتى خارج المناصب الدينية، ونجدها أيضا كانت تسهم في إصلاح حال الفقراء والمحتاجين في داخل الدولة وخارجها (أوقاف الحرمين الشريفين)، وترقية التعليم، وتوفير الخدمة العمومية من خلال ماء السبيل، وإصلاح الطرقات، والإنفاق على الحصون…
تقهقرت الأوقاف الجزائرية وتراجع دورها بشكل كبير خلال العهد الاستعماري، حيث بادر المستعمر الفرنسي إلى مصادرتها، ومحاولة تقزيم أي دور لها في المجتمع، نظرا لاكتشافه لقوة الاستقلالية التي كانت تمنحها هذه الأوقاف للمجتمع ليخدم نفسه بنفسه.
كانت هنالك مبادرات بعد الاستقلال تهدف إلى ترقية الأملاك الوقفية، ومحاولة استرجاع ما ضاع منها، غير أن هذه الجهود كانت ضعيفة مقارنة مع حجم الأملاك الوقفية في الجزائر خلال العهد العثماني، وتعقد عملية الاسترجاع بعد الاستقلال لفقدان الوثائق التي حوّلها المستعمر إلى دياره الأصلية وبطئ عملية استرجاع الأرشيف الإداري للفترة الاستعمارية.
بذلت جهود معتبرة منذ صدور قانون 90-10 والذي أعقبه التوقيع على اتفاقية تعاون بين الجزائر والبنك الاسلامي للتنمية بتاريخ 08 نوفمبر 2000 والقاضية بدعم البحث واسترجاع الأملاك الوقفية الضائعة وتسويتها، ومنذ سنة 2003 ونتائج هذه الاتفاقية تبرز الحجم الكبير للأوقاف الجزائرية التي طمسها المستعمر الفرنسي، حيث تم استرجاع آلاف الهكتارات خلال سنوات قليلة.
استرجاع هذه الأوقاف لا يعني التوقف عن تطوير النشاط الوقفي بالجزائر، وإنما يتطلب جهودا استثمارية قد تكون سببا في إحداث نقلة نوعية في إعادة الاعتبار لمؤسسة الوقف التي تراجعت كثيرا منذ دخول المستعمر إلى الجزائر وإلى غاية بداية التسعينات.
وعليه فالسؤال الذي سنحاول الاجابة عنه من خلال هذه الورقة هو: ما هو واقع استثمار الأوقاف في الجزائر، وما هي آفاق تطويره؟
أولا: واقع الأوقاف الجزائرية بعد الاستقلال
بعد استقلال الجزائر ونتيجة للفراغ القانوني الكبير الذي واجهته الدولة آنذاك صدر أمر في شهر ديسمبر 1962م يمدد سريان القوانين الفرنسية واستثنى تلك التي تمس بالسيادة الوطنية، وبالتالي لم يكن ضمن اهتمامات الدولة موضوع الأوقاف المتبقية أو التي ضاعت مما أثر سلبا على وضعيتها (خاصة من حيث الرعاية والصيانة بالنسبة للتي بقيت)، بل استمر العمل بالقانون الفرنسي في التعامل مع الأملاك الوقفية، وإذا لم تكتسب الأوقاف الشرعية الإدارية اللازمة للقيام بدورها…بل حصر دورها في ميادين جد محدودة ومجالات ضيقة مثل دور العبادة ورعايتها والكتاتيب والزوايا.
1/- وضعية الأوقاف الجزائرية بعد مرسوم 64/283:
بغية تدارك الموقف صدر مرسوم 64/283 المؤرخ في 17 سبتمبر 1964 يتضمن نظام الأملاك الحبسية (الموقوفة) العامة باقتراح من وزير الأوقاف، إلا أن هذا المرسوم لم يعرف التطبيق الميداني وبقي حال الوقف مثلما كان على عهد الاستعمار[i].
في شهر نوفمبر 1971 صدر مرسوم الثورة الزراعية، ورغم أن هذا المرسوم استثنى الأراضي الموقوفة من التأميم إلا أن تطبيق ذلك لم يكن كما نص عليه، بل أدرجت معظم الأراضي الوقفية ضمن الثورة الزراعية مما زاد من تقهقر وضعية الأملاك الوقفية حتى تلك التي كانت معروفة بعد الاستقلال وفلتت من الضياع والنهب أثناء الفترة الاستعمارية، وهذا ما عقّد من مشكلة العقار الوقفي.
وظلت وضعية الأملاك الوقفية في الجزائر سيّئة بل ازدادت سوءا مع مرور الزمن رغم صدور قانون الأسرة في يونيو 1984م الذي لم يأت بجديد فيما يخص تنظيم الأملاك الوقفية لكنه أشار إلى مفاهيم عامة حول الوقف في بابه الخامس.
ومنه فإننا نلاحظ أن الأملاك الوقفية عرفت إهمالا حتى بعد الاستقلال مما أثر سلبا على استمراريتها وتعرّض معظمها للاندثار خاصة العقارات المبنية وذلك بسبب الآثار الطبيعية وغياب الصيانة، ثم فوق كل هذا وذاك ضياع الوثائق والعقود الخاصة بها، ثم توقف عملية الوقف.
3/- وضعية الأوقاف الجزائرية بعد دستور 1989:
حدث أن صدر دستور سنة 1989 الذي يعتبر القاعدة الأساسية لحماية الأملاك الوقفية حيث نصت المادة 49 منه على أن “الأملاك الوقفية وأملاك الجمعيات الخيرية معترف بها، ويحمي القانون تخصيصها”، وبالتالي حضيت الأملاك الوقفية بعد الاستقلال لأول مرة بالحماية الدستورية.
ومنه توالى صدور قوانين ومراسيم وقرارات عزّزت من وضعية الأملاك الوقفية في الجزائر ومكّنت من استرجاع مكانة الأوقاف بالتدريج في المجتمع الجزائري، ومن بين ما صدر ما يلي:
القانون رقم 91/10 المؤرّخ في 12 شوال عام 1411 هـ الموافق 27 أبريل 1991 المتعلق بالأملاك الوقفية وتضمن 50 مادة تنظيمية.
المرسوم التنفيذي رقم 98/381 المؤرخ في 12 شعبان 1419هـ الموافق 1 ديسمبر 1998 الذي حدد شروط إدارة الأملاك الوقفية وتسييرها وحمايتها وكيفيات ذلك، حيث تضمن خمسة فصول و40 مادة في مختلف الأحكام.
القرار الوزاري رقم 29 المؤرخ في 31 فبراير 1999 القاضي بإنشاء لجنة للأوقاف وتحديد مهامها وصلاحياتها تحت سلطة وزير الشؤون الدينية والأوقاف.
القرار الوزاري المشترك رقم 31 المؤرخ في 14 ذي القعدة 1419هـ الموافق 2 مارس 1999 المتضمن إنشاء صندوق مركزي للأوقاف بإشراف وزارتي المالية والشؤون الدينية والأوقاف.
قرار وزاري بتاريخ 10 أبريل2000 يحدد كيفيات ضبط الإيرادات الوقفية ونفقاتها.
قانون 01/07 الصادر بتاريخ 22 ماي 2001م المعدل والمتمم لقانون 91/10، حيث اهتم بتنمية الوقف واستثماره.
ومن خلال هذه القوانين والمراسيم والقرارات وغيرها من التشريعات والتنظيمات نلاحظ بأن النشاط التشريعي في مجال الأوقاف عرف نقلة نوعية خاصة بعد دستور 1989 مما عزّز من مكانة الأوقاف في القانون الجزائري، فبعد البحث عن قانون ينظمها منذ الاستقلال إذا بها تصل الآن إلى قانون يضمن ويحث على تنميتها وتثميرها بما يمكّن من توسيع قاعدتها وترقية أدائها في المجتمع.
ثانيا: تركيبة الأملاك الوقفية الجزائرية
تبين عملية المسح التي تقوم بها إدارة الأوقاف الجزائرية أن أوقاف الجزائر متنوعة، لكن يغلب عليها العقارات السكنية (الجدول رقم 1) التي شكلت نسبة 60.20% من مجموع الأملاك الوقفية في الجزائرية، تليها الأوقاف ذات الاستغلال التجاري حيث بلغت نسبتها 14.94% ، تليها الأراضي البيضاء الخالية من أي نشاط والتي كانت نسبتها 8.20% ثم بعدها الأراضي الفلاحية التي وصلت نسبتها 7.12% ثم المرشات والحمامات بنسبة 6.09%. وعليه فيمكننا أن نسجل الملاحظات التالية على تركيبة الأوقاف الجزائرية (الجدول رقم 1):
أن الطابع السكني الغالب على تركيبة الأملاك الوقفية الجزائرية يبرر ضعف مواردها،
رغم احتلالها المرتبة الثانية في تركيبة الأوقاف الجزائرية فإن الأوقاف التجارية لا تعكس حجمها حيث تبن الاحصاءات ضعف حصيلتها، رغم أن عددها وصل إلى 1376 محلا تجاريا،
أن الأراضي الفلاحية البالغ عددها 655 قطعة أرض هي أيضا لم يتم استغلالها بشكل يسمح بترقية مردوديتها.
الجدول رقم (1) تركيبة الأملاك الوقفية في الجزائر إلى غاية 31-12-2013
نوع الملك
العدد
النسبة %
محلات تجارية
1376
14,96
مرشات وحمامات
560
6,09
سكنات
5537
60,20
أراضي فلاحية
655
7,12
أراضي بيضاء
754
8,20
أراضي غابية
1
0,01
أراضي مشجرة
4
0,04
أشجار ونخيل
28
0,30
بساتين
118
1,28
واحات
1
0,01
مكاتب
37
0,40
مكتبات
3
0,03
حظائر
22
0,24
قاعات
3
0,03
مدارس قرآنية
8
0,09
كنائس
27
0,29
مرائب
8
0,09
مستودعات و مخازن
25
0,27
شاحنات
1
0,01
أضرحة
2
0,03
نوادي
3
0,03
حضانات
10
0,11
وكالات
5
0,05
ملحقات
5
0,05
حشيش مقبرة
1
0,01
ينبوع مائي
1
0,01
بيعة
1
0,01
المجموع
9196
100,00
المصدر: مديرية الأوقاف والزكاة والحج والعمرة
ثالثا:تطور عدد الأملاك الوقفية وإيراداتها
تظهر المعطيات الاحصائية (الجدول رقم 2) و(الشكل رقم 1) أن الجهود المبذولة في استرجاع الأوقاف وتعظيم مواردها تسير بوتيرة بطيئة وهذا راجع إلى عدة أسباب نوجزها فيما يلي:
ضعف الإيجارات خاصة تلك العقارات القديمة التي يرجع تاريخها إلى حقبة الاستعمار،
عدم تحيين نسبة معتبرة من الإيجارات،
أغلب الإيجارات يسكنها موظفو قطاع الشؤون الدينية من أئمة ومعلمي قرآن ومؤذنين وموظفين إداريين وغيرهم،
أن نسبة معتبرة من الأوقاف بدون إيجار،
أن المستأجرون لا يدفعون الإيجار لمدة طويلة رغم ضعفه،
أغلب الايجارات تأتي من عقارات غير تجارية وحتى التجاري منها ضعيف،
نقص كبير في عدد الأوقاف الجديدة.
الجدول رقم (2) تطور عدد الأملاك الوقفية وإيراداتها ما بين 2011-2013 (بالدينار والدولار)
السنة
عدد الأملاك
الإيرادات (دج) و (الدولار)
بإيجار
بغير إيجار
المجموع
النظرية
المحصلة
2011
4826
3923
8749
145 228 088,00
135506,299
82 918 388,00
773672,8312
2012
4571
4280
8851
147 949 429,90
1380447,1729
114 385 419,54
1067277,036
2013
4034
5162
9196
218 797 798,31
2041500,277
178 891 359,89
1669151,9
المصدر: مديرية الأوقاف والزكاة والحج والعمرة ، (بتصرف من الباحث).
مديرية الأوقاف، ” الأملاك الوقفية في الجزائر”، نواكشط: ندوة تطوير الأوقاف الإسلامية وتنميتها، منشورات البنك الإسلامي للتنمية بالتعاون مع الأمانة العامة للأوقاف، 2000، ص34، 35 (بتصرف).نفس المرجع، ص35 (بتصرف).