كلمة الرئيس
وداعاً… أيها العام..! بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم
ليس من طبعنا كمسلمين، التطير أو التشاؤم، أو سب الدهر، فنحن قوم نؤمن بالقدر خيره وشره، ونكفر بما يأتيه، الدجالون والمشعوذون، والمنجمون، فقد كذب كل هؤلاء ولو صدقوا.
غير أننا، كمسلمين أيضاً، نؤمن بمنهج المحاسبة محاسبة الأنا، ومحاسبة الآخر، فبحكم هذه المنهجية، نحن مطالبون، بأن نستعرض كل ليلة أعمال اليوم، وفي نهاية كل شهر، حصاد أعماله، وفي كل سنة، حصيلة شهوره.
لذلك يحق لنا، ونحن نسلخ من أعمارنا، ثلاثمائة وخمسين يوماً، أن نزن أحداثها، وننزل عواقبها على واقعنا الإنساني، والاجتماعي، والوطني.
كيف يتراءى لنا إذن العام المنصرم، وقد ناء بكلكله على صدورنا، وألقى بظلاله المقيتة، على قبورنا؟
لقد شبعناه ولم نأسف عليه، لأنه كان عام جفاف في الجيوب والحقول، وعام قحط في القلوب والعقول، عمّ فيه رخس الشباب والفحول، وغلاء اللحوم والبقول.
نودع هذا العام، ودمعة حزن في المآقي والعيون، على العنف الأعمى الذي يضرب أوطاننا ويقطع أوصالنا، ويلون بالأسود والأحمر، آمالنا، وأحوالنا. فالحروب مستعرة في كل أوطان العروبة، وبلدانها، تحولت إلى ديار مخروبة، وهاهم إخواننا وأخواتنا، في العراء، تلفح وجوههم، وظهورهم، نيران الخيم المنصوبة.
يا لله لأمتي، وقد ديست سيادتها، وتدهورت عبادتها، وتشتت قيادتها، وتبعثرت إرادتها، “فتهودت” مقدساتها، ونكست راياتها.
كل هذا، وأكثر، عانيناه في هذا العام المنصرم، فحمدنا الله حين توارى ظله عنا، وغرب وجهه عن أفقنا، فلم نر فيه إلا العناء، والغلاء، والبلاء، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
فإرهاب في تونس، يحصد إخواننا التونسيون ضحاياه، بالمئات، فالتونسي –بسببه- مقتول، والفاعل مجهول، والغائب الأكبر هو المسؤول.
وأبناء شعبنا العزيز في ليبيا، دبت بينهم العقارب، وهم أقارب، فهم يتقاتلون ولكنهم عن سبب القتال يتساءلون. فالذي يعرف عن الشعب الليبي، أنه الشعب الأصيل الوديع، الكريم ذو الخلق الرفيع، فكيف يحول فجأة إلى قطيع، يسومه كل وضيع، ويتحكم فيه بالقوة والسلاح، ليحوله إلى خاضع مطيع، تالله ما هذا هو الشعب الليبي الأبي، الذي أنجب مجاهدين أحرارا كالسنوسي، وعمر المختار، وغيرهم من الشبان الثوار، فكيف تحولوا إلى رهائن في قبضة العاق من أبناء الدار، والمعتدي باسم علاقة الجوار؟
ويسألونك عن مصر الكنانة، التي كانت يوما ما، رمز الإبانة، ومعقل الديانة، وملجأ الأحرار من الإذلال والإهانة، إنها –ولا شك- عين حسود، أصابت مصر الأزهر والأهرام، فدجنت العمائم، وفتتت العزائم، فسادت المظالم، وكثرت المحاكم، وتعددت المآتم.
فمن ينقذ مصرنا من محنتها، ومن يتصدى لفك قيود أسراها، وإعادة تحقيق مبتغاها؟ ومتى تستأنف دورها الحضاري في أمتها، وقد سادها الأمن والأمان، وتصالح الوفد والإخوان، والمسلمون وحملة الصلبان؟
أما سوريا الحزينة، ضحية الفتنة الطائفية اللعينة، فهي مقتولة بظلم أبنائها، وسلاح أعدائها، وتفتت أمرائها، وتواطىء كبرائها.
لقد اتسع الخرق على الراقع في سوريا، حيث اختلط فيها تدخل الجيش الأخضر، والجيش الأحمر، وكل يبحث له عن موطئ قدم في سوريا الجريحة، والمواطن السوري الضعيف، هو من يدفع الثمن في كل يوم وفي كل حين…ولم نعد نملك في رثاء سوريا إلا الدموع المنهمرة، كما وصفها شوقي:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي جلال الرزء عن وصف يدق
ودع العراق، وفتنتها التي هي كقطع الليل المظلم، أو كقطيع المال السائب الذي ضاع راعيه، فلم يعد له من رقيب إلا الجزار الذي يذبح ويسلخ. وعلى حد قول الشاعر:
قد بلينا بأمير ذكر الله وسبح
فهو كالجزار فينا يذكر الله ويذبح
وامتدت هذه الفتنة العمياء إلى الذي كان سعيداً، فتحول إلى شقي، باسم الطائفية المقيتة، والهمجية المميتة، حتى صار اليمن الهزيل، المثخن بالجراح، إذا أصابته نصال، تكسرت النصال على النصال.
هذه هي أحداث العام المدبر عنا، غلاء وتقشف في وطننا، وبلاء وتأفف عند أشقائنا، فهل يكتب الله لنا، أملا في العام الجديد، يمسح دموعنا، ويطهر ربوعنا، وينعش –بالآمال- جموعنا؟
نقول للعام الجديد، ما قالته ذات يوم في نفس المناسبة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:
أعطنا حبا، فبالحب كنوز الخير فينا تتفجر
وأمانينا، ستخضر على الحب وتزهر
ندعو الله أن يكون يومنا خير من أمسنا، وغدنا خير من يومنا، وعامنا الجديد خير من عامنا القديم.