غير مصنف
الرجال والميدان..! بقلم الشيخ كمال أبو سنة
كان سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمه الله، يتابع معنا سير جريدة البصائر خطوة خطوة، ويُجهد نفسه في أكثر من عمل، وفي ميادين متنوعة، وكان يوم السبت من أيام الله التي تزدحم فيها الأعمال وتكثر الحركة بسبب غلق صفحات جريدة البصائر وتهيئتها لإرسالها إلى المطبعة…
ولهذا كنا نحن العاملين فيها خاصة الإخوة عبد الحميد عبدوس ومصطفى كروش وعبد الواحد بوعنان والعبد الضعيف نمكث إلى منتصف الليل في كثير من الأحيان رغم الوضع الأمني الخطير حتى يكتمل “العدد” الذي في بعض الحالات يصل إلى 32 صفحة عوض 24 صفحة لكثرة التغطيات الواردة أو الأحداث التي تفرض علينا التطرق إليها في حينها…
فكان سماحة شيخنا عبد الرحمن شيبان، رحمه الله، الذي لاحظ الجهود المبذولة بالليل والنهار، على قلة الوسائل وضعف الإمكانات، لا يخرج من مقر جمعية العلماء يوم السبت حتى يمر علينا ضاحكا ومشجعا، ثم يقول قولته المشهورة: ” ما يبقى في الواد إلا حجارته”..!
جملة تحمل أكثر من معنى، وتخفي في طياتها مضامين عديدة، ومن معانيها أن “الرسالة” في العمل الإصلاحي تختلف اختلافا بيّنا مع “التجارة” باسم الإصلاح، لأن الرجل “الرسالي” هوايته هي العطاء والتضحية، والرجل “التجاري” هواه في الأخذ وتقديم الغُنم على الغُرم، وشتان بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة..!
إن الرجال المخلصين هم عمدة أي حركة إصلاحية تسعى للتغيير الشامل، وفقد رجل واحد من هذا النوع الرباني أو تهميشه ليس بالأمر الهين، له في الميدان عواقب وخيمة، لا يستشعر خطرها إلا من خبر معادن الرجال في ساحات البذل والجهاد..!
إن الرجال أعمال لا يقاسون بالجاه أو بالنسب أو بالألقاب أو بالهيئات، ولا يُمدحون بمضغ أقوال، قد تكون بليغة، ولكنها تخالف أفعالهم، وترسم صورة مغايرة للحقيقة، لأن المقياس الصادق هو ما يقدمونه في الميدان، وما ينتج عنهم من آثار إيجابية، وأعمال جليلة، ومواقف مشرفة، وهذا ما أشار إليه العلامة الإمام محمد البشير الإبراهيمي بقوله أن البصائر لسان حال جمعية العلماء “ميزانُ حق، ولسانُ صدق، فهي تزن الرجال بأعمالهم الجليلة، ومواقفهم الشريفة، وتُقَوِّمُهُم بالقيم الإيجابية لا بالقيم السلبية، وهي تمدحُ المستحقين للمدح فلا تشين المدح بالغلو، وتذم المستأهلين للذمّ فلا تزين الذم بالكذب والاختلاق و(البصائر) لا تأبه للصيت الطائر في المجامع، والاسم الدائر على الألسنة، والشهرة السائرة في الآفاق، ما لم يكن من ورائها أعمال نافعة تشهد، وآثار صالحة تُعهد، وثمرات طيبة تُجنى”[آثار الإبراهيمي3/548].
إن الرجولة المتوشحة بالإخلاص والتضحية، نتاج الربانية، هي القادرة على صناعة ما يعجز عنه أنصاف الرجال الذين يتقدمون الصفوف في ساعة الزحمة والقسمة، ويتخلفون حين تحتاجهم الميادين لتأدية الواجب، أو لا يتحركون إلا حين تكون الكاميرات موجهة نحوهم من أجل دنيا يصيبونها، وللآخرة خير وأبقى..!
إن الحركة الإصلاحية ستبقى سائرة نحو هدفها ومقصدها برجالاتها المخلصين، ما دامت السماوات والأرض، “وما يبقى في الواد إلا حجارته”..!