غير مصنف
كبِرَت… وما هرِمَت بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم
بلغت –اليوم- كما يقول أحد أعمدتها، المرحوم أحمد توفيق المدني، بلغت العشرين سنة أربع مرّات، وما ضعُفت، وما استكانت، ولا هرِمت أو استهانت؛ بل هي لا تزال تُشرِق على القُرَّاءِ كما تُشرِق الشمس على النّاس، فتُبَّدِدَ الجراثيم، وتُجدِدَ التعاليم، وتُصّححَ المفاهيم.
تلك هي جريدة البصائر، لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي تطفئ اليوم شمعتها الثمانين، ولا تزال في عنفوان شبابها، وخصوبة عطائها.
لقد حملت –البصائر- توقيعات كبار العلماء، وعباقرة الأدباء، وفطاحل الشعراء، فخلّدت اسمهم، وعظّمّت ذكرَهم، وبعثت في النّاس فكرهم، وحمَلت للشعبِ الجزائري وللأمّة الإسلامية ما دبجه هؤلاءِ من مقالات مثقلة بالتّوعية والتّحسيس، مبشرة بمنهجية إصلاح وثورية ابن باديس محذرة من مخاطر الغزو الفكري والسياسي القادم من موسكو أو من باريس…
وما كان للبصائر أن تبلغ هذا المستوى من المجد، بحيث أصبحت مرجعية لطلاب العلم والباحثين، وما كان لها أن تبقى وفيّة لخط العلماء الصالحين المصلحين، في الذّود عن بيضة الدين، وحمى العرين، لولا نفوس صدقَت، وضمائر طُهِّرت، وجهودٌ بُذِلت، وأموال أنفقت، وطاقات عُبّئت.
ويعلم الله مدى الصعوبات التي تواجه البصائر بدء بالعقبة المادية كأداء إلى عقدة الإشهار السوداء، إلى فتنة التلوّث السياسي الصّماء، وكلّها مصاعب لابّد من تجاوزها بحكمة للحفاظ على الخط البصائري الإصلاحي الوطني المستّقل.
وتبقى بعد كلّ ذلك، مسؤولية المثقفين عمومًا وقرّاء البصائر الأوفياء، وجوارية جمعية العلماء، في أن يحتضنوا البصائر بقرّائها وتوزيعها، وإثراء مضامينها، كي يعملوا على تنمية هذا الخط الإعلامي الفكري المتميّز، الذي هو الخط المنشود اليوم في جزائر “العزّة والكرامة” وفي الأمّة الإسلامية العريقة الأصالة والاستقامة.
ففي جزائر البقرات العجاف، وفي أمّة العروبة المختطفة من “الغلاظ الأجلاف” يصبح الأمل في الخلاص، معقودًا على الخط الإصلاحي الذي تبشّر به البصائر، هذا الخط الوسطي المعتدِل، الذي ينبذ العنف بجميع ألوانه، ويرفض الظلم والاستبداد بكلّ أشكاله، ويتخذ الحبّ أساسًا، والصدق نبراسًا للنّهوض بالوطن والأمّة.
فتحيّة إلى البصائر في عيدها الثمانين، وعهدًا على صيانة الوعد، والوفاء بالعهد إلى أن نلقي إليه صابرين مرابطين.