غير مصنف
قانون المالية 2016 تقنينٌ لإفقار الجزائريين وخصخصة مؤسساتهم الكبرى بقلم أ.حسين لقرع
برغم المصادقة على قانون المالية في غرفتي البرلمان، وبداية العدّ العكسي لتنفيذه، إلا أن العاصفة التي ثارت منذ عرضه على لجنة المالية ثم على النواب لاحقاً لمناقشته وإثرائه وتعديله، لم تهدأ إلى حدّ الساعة، بل إن الأوضاع تزداد اشتعالاً وتوترا بمرور الوقت بدليل إقدام السلطات على محاولة منع ندوة صحفية للنواب في مقر المجلس الشعبي الوطني الثلاثاء الماضي، وفي المقابل، قرر النواب التصعيد ومطالبة رئيس الجمهورية برفض التوقيع على القانون الذي ينتظر دخوله حيز التنفيذ في 1 جانفي 2016.
لم يحدث قطّ في البرلمان الجزائري أن شهد نقاشاتٍ واختلافات واشتباكات بالأيدي والأرجل كما حدث في الأيام الفارطة، بسبب إصرار الحكومة على تمرير قانون المالية لعام 2016 كما هو ودون تعديلات جوهرية، وبالتحايل أحياناً على لجنة المالية التي أسقطت المادة 66 وأعادتها وزارة المالية في الجلسة الختامية للتصويت، وهو ما خلّف غضباً عارماً في نفوس نواب المعارضة، فقرروا تصعيد الموقف والتعبير عن ثورتهم بشتى الطرق كما تابع الجميع على شاشات الفضائيات الجزائرية…
ويتّهم نوابُ المعارضة السلطة بتمرير القانون بطريقة تنمّ عن الكثير من الاستبداد والتعنّت والانفراد بالرأي، وإقصاء المعارضة واحتقارها، وعدم الاكتراث بردود أفعال الشعب، برغم ما تحمله بعض مواده من جوانب خطيرة ستنعكس سلباً على الاقتصاد الوطني والجبهة الاجتماعية في قادم الأيام؛ فالمادة 66 ستضرب القطاع العام ومكتسبات 53 سنة في الصميم، وتُنهي تأميمات 24 فبراير 1971، وتؤسِّس لرأسماليةٍ متوحِّشة يقودها حفنة من رجال المال المشبوه الذين أصبح لهم تأثيرٌ واضح في صناعة القرار السياسي بالجزائر تعكسه صياغة قانون المالية بوضوح، وخاصّة المادة 66 التي تفتح لهم الباب واسعاً لامتلاك أي مؤسسة عمومية كبرى بعد 5 سنوات من فتح رأسمالها للبيع، أي أنهم بإمكانهم امتلاك أي مؤسسة كبرى كسوناطراك وسونلغاز والخطوط الجوّية الجزائرية في آفاق 2021، والأدهى من ذلك أن الأجانب يمكنهم مستقبلاً أيضاً التحايل وامتلاك هذه الشركات الكبرى التي تعدّ مفخرة الجزائريين، من خلال الدخول من باب الجنسية المزدوجة، أو “الشراكة” المزعومة مع رجال أعمال جزائريين. ولا شكّ أن خصخصة الشركات الكبرى سيؤثر سلباً في النسيج الاقتصادي الوطني، ويُنهي القطاع العام، ويضع الجزائر في قبضة حفنةٍ من رجال المال الذين ينظر إليهم أغلب الجزائريين بنظرات مريبة لا تحمل الودّ والارتياح.
أما المادّة المتعلقة برفع أسعار الوقود والكهرباء، ومختلف الرسوم والضرائب، فستُفضي حتماً إلى ارتفاع أسعار النقل، وكذا الخضر والفواكه لاعتماد الفلاحين على المازوت الذي سيرتفع ثمنه، كما سترتفع أسعار مواد كثيرة بسبب اعتماد مختلف الشركات على الكهرباء التي سيرتفع ثمنُها أيضاً، وفي النهاية سيكون الجزائريون أمام زيادات في أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية المختلفة بداية من جانفي القادم، وهو ما يعني تخفيضاً غير معلَن لأجورهم، ومن ثمّة الإضرار بقدرتهم الشرائية، لاسيما وأن الدينار قد تراجع بنحو 22 بالمائة في عام 2015، أي أن الأجور تراجعت بالنسبة نفسها، وستتدهور أكثر في عام 2016 بفعل الزيادات المنتظرة، وستتضرر ملايين العائلات ذات الدخل الضعيف والمحدود، في وقتٍ تؤكد دراسة لنقابة عمال الإدارة “سناباب” أن أي أجر شهري يقلّ عن 62700 دينار لن يكفي لسدّ الاحتياجات الرئيسة لعائلةٍ من خمسة أفراد، وإذا تمّ رفعُ الدعم في السنوات القادمة كما “يتوعّد” وزيرُ المالية بن خالفة، فإن أي أجر يقل عن 150 ألف دينار يعني ضنك العيش لملايين العائلات، لكن هذه الزيادات في الأجور لمواكبة الغلاء المنتظَر للأسعار، تبدو مستحيلة بسبب شحّ الموارد المالية للبلاد في ظل التراجع المستمرّ لأسعار النفط.
من هنا جاء قرعُ أجراس الإنذار قويّا مدوّيا من نواب المعارضة منذ عرض قانون المالية الجديد على لجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني، إذ طالبوا بمراجعة المادة 2 باتجاه تخفيض الزيادات المقررة في الوقود والكهرباء ومختلف الرسوم، للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ومنع انهيارها وبالتالي تفقير فئات واسعة منهم بما فيهم المنتمين إلى الطبقة المتوسّطة، وإلغاء المادة 66 تماماً، فضلاً عن المادة 71 التي تجرّد النواب من صلاحيتهم في وضع الميزانيات القطاعية، وتمنحها لوزير المالية ليعيد توزيعها كما يشاء وفي الوقت الذي يريد، دون الرجوع إلى النواب، تحت ذريعة وقوع ضائقة مالية جديدة تُجبر الوزارة على التقشف، وهو ما فهم منه النواب أنه تكريسٌ لهيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية، وتحويلٌ لهذه الأخيرة إلى مجرّد وظيفة قائمة على المصادقة على مختلف مشاريع القوانين دون جدال.
وكان بالإمكان معالجة الأمر على مستوى لجنة المالية أو حتى على مستوى النواب في الجلسة العامة، لو تحلّت السلطة ببعض المرونة وقبلت تعديلات لجنة المالية، وكذا إسقاطها للمادة 66، أو أقدم النوابُ على التضامن وإسقاطها بالتصويت ضدها دون حسابات سياسية أو خلفيات حزبية، لكن الوزير بن خالفة أعاد المادة 66 إلى التصويت، وأغلب نواب جبهة التحرير و”الأرندي” صوّتوا لصالحها ولصالح المادة 71 والمادة 2 أيضاً، وأثاروا بذلك غضباً شعبياً واسعاً وصل إلى حدّ نشر صورهم في “فايسبوك” للتشهير بهم والتشنيع عليهم، ولا تزال التعليقات ضدّهم وضد الحكومة تتفاعل إلى حدّ الساعة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، بدأت الجبهة الاجتماعية تتحرّك ضد هذا القانون، فتداعت نقابة عمال الكهرباء إلى تحالفٍ نقابي كبير يقف ضد خصخصة الشركات العمومية الكبرى، كما قام نحو ألف مواطن بسيط بعقد تجمع بالساحة المركزية لولاية ورقلة للتنديد بقانون المالية الجديد، في حين توعّدت المعارضة بعدم السكوت عن تمرير هذا القانون واستمرارها في النضال ضده لإسقاطه، وخاصة المادة 66 منه…
وفي خضمّ هذه التطورات، يتوقع الكثيرُ من المتتبّعين أن تكون سنة 2016 سنة مليئة بالاضطرابات العمالية والاجتماعية، لاسيما إذا تراجعت أكثر أسعار النفط بعد العودة المنتظرة لإيران إلى التصدير، ما يرفع حجم عرض منظمة أوبيب من 31 مليون برميل يوميا إلى قرابة 34 مليون برميل، في ظل رفض المنظمة تقليص العرض، ما يعني تراجعاً آخر لأسعار النفط التي تهاوت الأسبوع الماضي إلى حدود 40 دولاراً، وبالتالي المزيد من إجراءات التقشف.
باختصار، الجزائر تسير نحو سنوات عجاف، ولكن الحلّ لا يكمن في المزيد من رفع الأسعار والرسوم والضرائب لملء الخزينة من جيوب المواطنين، ولا ببيع المؤسسات الكبرى بأبخس الأثمان لذوي المال المشبوه، بل يكمن في الاتجاه إلى قطاعيْ السياحة والفلاحة لتعويض الريع البترولي الذي ألهانا عن العمل والإنتاج طيلة 53 سنة كاملة، قصد تنويع مصادر الدخل والتخلُّص من التبعية للمحروقات. الأزمة عسيرة ولكن أوان الخروج منها لم يفُت بعد.