تقود الجمعيات النسوية العلمانية هذه الأيام، وبدعم غير مسبوق من وزيرة التضامن مونية مسلم، حملة هستيرية لدفع السلطة إلى إصدار أمر إلى مجلس الأمة للتصديق على القانون المجمّد المتعلق بحماية المرأة مما يسمينه “عنف الرجل”.
أولاً: زعمت وزيرة التضامن أن “النواب الإسلاميين” في مجلس الأمة هم الذين جمّدوا القانون الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني في مارس 2015 بمناسبة “عيد المرأة”، ودفعوا المجلس إلى تجميده وعدم عرضه للنقاش أصلاً..والواقع أن هذه مغالطة مكشوفة؛ فالنواب الإسلاميون في الغرفة الثانية للبرلمان أقلية قليلة وليس بإمكانهم التأثير في قراراتها إذا اتّحد نوابُ السلطة من “منتخَبين” ومعيّنين ضدّهم، فكيف يمكنهم تجميد القانون المذكور؟
ما تعلمه وزيرة التضامن يقيناً هو أن جهاتٍ عليا في السلطة هي التي أمرت بتجميد هذا القانون حينما ثارت ضدّه ضجة سياسية وإعلامية كبرى، تبعها تنديدٌ واسع للمواطنين به، من خلال عاصفة التعليقات الرافضة له، في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد خشيت السلطة تبعات هذا القانون على الجبهة الاجتماعية الملتهبة أصلاً، فقامت بتجميده لتهدئة الوضع.
ومع أن الوزيرة تعلم هذه الحقيقة الناصعة، إلا أنها فضلت تحويل غضبها إلى “النواب الإسلاميين” في مجلس الأمة، واتهامهم بفعل لم يرتكبوه، قصد التعبير عن غضبها من تجميد السلطة للقانون، وإرسال رسالة مشفرة لها لرفع التجميد عنه، فهذا أسلم لها من انتقاد السلطة، ولو بطريقة غير مباشرة، لأن عواقب ذلك سيكون خسارة منصبها.
ومما يدلّ على ذلك، أن الوزيرة استغاثت بالجمعيات النسوية، وأبدت استغرابها لسكوتها عن تجميد القانون المذكور، ودعتها إلى إحياء مطلب رفع التجميد عنه، وأعربت عن استعدادها لاستقبال الناشطات النسويات في مقرّ الوزارة للتنسيق حول هذه المسألة، وكأنها بذلك تريد أن تقول لهن: أنا لا أستطيع أن أنتقد السلطة مباشرة بحكم منصبي، أو أن أضغط عليها لرفع التجميد عن هذا القانون، ولذلك أستعين بكنّ للقيام بهذه المهمّة لأنكن حرّات من أي وظيفة حكومية.
ثانياً: لقد كانت السلطة على حق حينما جمّدت مشروع هذا القانون، فهل يُعقل أن يتم سنّ قانون يتحيز للنساء فقط ويُظهِرهن بمظهر ضحية عنف الرجل وإجرامه؟ ماذا عن الرجال الذين ذهبوا ضحية عنف زوجاتهم وتمّ صبّ الزيت المغلي على وجوههم أو قتلهم أو ضربهم؟ القانون متحيّز ولابدّ من إلغائه، وإذا كان ضرورياً سنّ قانون آخر فليكن عنوانه حماية الأسرة ككل من العنف ودون تحيّز على أساس الجنس.
ثالثاً: تقوم جمعيات النساء الفاشلات في تكوين أسر، بشنّ حملة جائرة ضد الإسلاميين واتهامهم بأنهم يضفون الشرعية على العنف ضد المرأة، ويمارسونه ضدهن أيضاً، لذلك يرفضون هذا القانون الذي سيُدينهم ويكبح “عنفهم”، وهو تحاملٌ مجاني لا يسنده الواقع؛ فالذين يضطهدون زوجاتِهم وأخواتهم وبناتهم وأمهاتهم أو يمارسون عليهن عنفا مزمناً، أغلبهم من السكارى ومدمني المخدرات وسيّئي الأخلاق…أما الإسلاميون الذين يخشون ربّهم، فهم يعرفون أنه لا يكرم المرأة إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم، ويعرفون معنى الرِّفق بالقوارير ومعاملتهن بالحسنى، وأن الضرب الجائز الوارد في القرآن الكريم يتعلق بالضرب الخفيف غير المبرِّح وفي حالة النشوز فقط، وقد يخطئ بعضُهم ضد زوجته في موضع غير النشوز، ولكن بشكل عابر، في حين تريد الجمعيات النسوية التغريبية تصوير الأمر للجزائريين على أن الأمر يتعلق باضطهادٍ مُزمن للمرأة، وهذا تضليلٌ سافر يهدف إلى اتخاذه حجّة لوضع قانون يحث المرأة على التمرّد على زوجها وسجنه وبالتالي تفكيك الأسرة وأواصر المجتمع، وضياع الأطفال، وتفاقم الطلاق، فلا تشعر بعدها الفاشلاتُ في تكوين أسر واللواتي أنشأن جمعياتٍ لحثّ الزوجات على التمرّد، بأنهن “وحدهن” في الميدان؛ فالمجتمع سيعجّ بالمطلقات، وهل تطمع من تُدخِل زوجَها السجن بتهمة ممارسة العنف المادي أو المعنوي عليها، بأن تستمرّ حياتُهما الزوجية بعد قضاء فترة عقوبته التي تتراوح بين عامين وثلاث سنوات وفقاً لهذا القانون التغريبي؟
رابعاً: لا ننكر أن هناك حالات عنف ضد المرأة، وهي مدانة وغير مقبولة، خاصة ما تعلّق بالضرب المبرِّح المنهي عنه شرعاً والذي قد يؤدِّي إلى عاهات، ولكنها لا تتعدى الـ7 آلاف حالة داخل 7 ملايين أسرة، حسب الإحصائيات الرّسمية المتوفّرة، وهي حالاتٌ قد تقلّ حتى عما هو موجودٌ في الغرب نفسه، وينبغي المطالبة بمعالجة هذه الحالات القليلة وفق الشرع والتقاليد والأعراف الاجتماعية المعروفة لدى الجزائريين منذ قرون، وحتى وفق القوانين المعمول بها حالياً، وليس التحجّج بهذه النسبة الضعيفة قصد المطالبة بسنّ قانون جديد يجرّم الرجل ويضع الأسرة ومستقبل الأبناء الأبرياء على كف عفريت.
خامساً: لقد تصرّفت السلطة بحكمة من خلال تجميد هذا القانون، تماماً مثلما تصرّفت بحكمة حينما جمّدت قانون بن يونس لتعميم بيع الخمور، وعصفت برغبة بن غبريط في تدريس العامّية، هذه هي التصرّفات الصحيحة التي تكسب السلطة رضا الأغلبية الشعبية المتمسّكة بثوابتها، ونأمل أن تثبت على ذلك وترفض مجدداً الالتفات إلى هذيان جمعيات النساء العلمانيات الفاشلات في المحافظة على أُسرهن.