غير مصنف
الخبز الضائع! بقلم أ.د عمار طالبي
ما تمر من شارع من شوارع الجزائر العاصمة ولا بزنقة من أزقته إلا وترى أكواما من الخبز مع الفضلات الأخرى المتنوعة.
هذه مهزلة تدل على الإسراف في شراء الخبز ورمي ما بقي دون الاستهلاك في المزابل، ونحن نعلم أن الجزائر تأتي بعد مصر في استهلاك الدقيق، ونحن نصف سكان مصر، فهذا أمر نشأ عن عدم احترام نعم الله، وخيراته التي بها قوام الإنسان، وإذا دخلت مطعما في العاصمة أو في غيرها، فإنه يقدم لك سلّة كبيرة من الخبز أولا على المائدة بطريقة مسرفة لا تستهلك منها إلا ما قلّ، بالإضافة إلى أن بعض الناس أو إن شئت قلت كثيرا منهم يستهلكون من الخبز كميات مفرطة غير صحية تسبب أمراضا منها القولون وغيره.
فلو أن شركة تتولى جمع هذا الخبز من الشوارع بطريقة علمية لكان ذلك عملا طيبا في هذا المجتمع المسرف.
ولعل البلديات توظف من يراقب هذه الشوارع ويدعى أصحاب المنازل التي ترمي الخبز في المزابل، ويسن قانون يعاقب هؤلاء المسرفين.
ولعل رفع أسعار الخبز علاج جزئي لهذا الإسراف في الاستهلاك الذي يستنزف ثروة البلاد، ويضيع نعم الله سدى، فظاهرة الاستهلاك عموما أخذت تنتشر في المجتمع فأصبح مجتمعا استهلاكيا بطريقة وحشية، فأنت ترى الناس قديما يشترون نصف خبزة أو ربعها اقتصادا وسدا للحاجة، أما اليوم فترى من يشتري عشرة أو أكثر من الخبزات، كأنه صاحب مطعم عمومي.
وإذا نزلت في مطعم من مطاعم ألمانيا مثلا، فمن النادر أن يقدم لك شيء قليل جدا من الخبز.
من المؤسف أن مجتمعنا تسوده هذه الظاهرة وتزداد، ولا يراعي الناس ضياع اقتصاد الأسرة، واقتصاد المجتمع ضياعا كبيرا يتسبب في توقف التنمية، وانتشار الفساد.
فنحن لا نعاني من فساد في المال العام ونهبه وإنما نعاني أيضا من هذا الاستهلاك المفرط في حياتنا العائلية والاجتماعية ترى الناس أمام محلات الأطعمة وما أكثرها اليوم يأكلون نساء ورجالا وأطفالا، ولا يتوقفون طول النهار وجزءا من الليل، ولعل الأسرة تفضل أن تذهب إلى المطعم على أن تتناول طعامها في البيت.
أصبح النساء لا يجدن وقتا لطبخ غذاء الأسرة، مع ما ينتج من ذلك من أمراض وأوبئة بسبب عدم مراعاة الوسائل الصحية، وعدم المراقبة الجادة لهذه المحلات التي تعد الأطعمة التي قد تكون سامة، كما تقرأ في الصحف أخبار التسمم في عدد من المطاعم، ومنها مطاعم المدارس والجامعات.
من الضروري اتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع هذا الإسراف، ومن أهمها التربية، تربية أطفالنا على الاقتصاد، وعلى مراعاة وسائل الصحة، والحدّ من هذا الاستهلاك الذي أصبح ظاهرة مخيفة في عواقبها الاقتصادية والنفسية الاجتماعية والصحية.
إن رمي الخبز في الشوارع منكر شرعا وعقلا لا يجوز أن يستمر، ومن الضروري وضع حد رادع له.