غير مصنف
الإسلام وانزلاقات الانتخابات الجهوية الفرنسية؟! بقلم أ. عبد الحميد عبدوس

في الوقت الذي كانت فيه السلطات الفرنسية تقوم بالغلق الإداري لـبعض المساجد، بحجة قيامها بالدعوة الى كراهية اليهود وإلى القتال والجهاد في سوريا، وتشديد الخناق على كل ما هو إسلامي، حيث نفذت الشرطة الفرنسية منذ فرض حالة الطوارئ في منتصف شهر نوفمبر المنصرم، أكثر من 2235 عملية مداهمة شملت الأحياء والمساكن، مكنتها من توقيف 263 شخص، ووضع 232 شخص رهن الحبس الاحتياطي، وفتح 346 ملاحقة قضائية من بينهم أئمة ورجال دين، كما منعت 22 شخصا من مغادرة التراب الفرنسي، وتم وضع تسعة آخرين قيد الإقامة الجبرية، وتأتي هذه المداهمات لتحقيق الأمن حسب السلطات الفرنسية.
وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة الفرنسي ذو الأصول الإسبانية إيمانويل فالس يتوعد بالقضاء على أعداء الجمهورية وطرد كل الأئمة المتطرفين، وانتزاع الجنسية من أولئك الذين يستهزئون بفرنسا، كانت النائبة الفرنسية ماريون ماريشال لوبان ترفع عاليا شعارات العنصرية والاستهزاء بعادات المسلمين في حملتها التمهيدية للانتخابات المحلية مؤكدة “أن المسلمين لا يمكنهم أن يكونوا فرنسيين، إلا إذا انحنوا أمام التقاليد الفرنسية ونمط الحياة الذي شكله التاريخ المسيحي للبلاد…”.
أما روبير مينار، رئيس بلدية بزييه (Béziers ) ممثل حزب الجبهة الوطنية، فقد أعلن أنه “يريد العودة إلى فرنسا شارل مارتل” (وشارل مارتل هو القائد الفرنسي الذي خاض معركة بواتييه ضد الفاتحين المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي في سنة 732 ميلادية).
وهكذا يمكن لفئة من الفرنسيين استدعاء التاريخ المسيحي للبلاد والتفاخر بعادات ونمط الحياة الفرنسية المستمد من التقاليد المسيحية، وفي المقابل يطلب من فئة أخرى من الفرنسيين المسلمين أو من المهاجرين ذوي الديانة الإسلامية التخلي عن قيم دينهم والسخرية من عاداتهم وطريقة لباسهم، وهذا في دولة لا تقبل المساس بطابعها العلماني الذي يعني الحياد بين مختلف الديانات، وترفع شعار الأخوة والعدالة والحرية!
والمقلق أن أطروحات حزب الجبهة الوطنية لم تعد مجرد أفكار حزب هامشي تعبر عن تمرد فئة من الفرنسيين على الأحزاب التقليدية، ولكنها تمثل نزوعا سياسيا متصاعدا في الأوساط الفرنسية، حتى أن زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان أصبحت تقدم نفسها على أنها تمثل “روح فرنسا”، ورغم تحذير عدد من الشخصيات الفرنسية من بينهم مدير جريدة “لوموند” جيروم فنوغليو الذي كتب في افتتاحية الجريدة: “…من الضروري أن نؤكد من جديد أن هذا الحزب (الجبهة الوطنية) يشكل تهديدا خطيرا للبلاد، فأيديولوجيته، ومقترحاته تتنافى مع قيم الجمهورية والمصلحة الوطنية وصورة فرنسا..” إلا أن استطلاعات الرأي ترشح حزب مارين لوبان للفوز في 6 مقاطعات جهوية في الانتخابات التي يجري دورها الثاني يوم 13 ديسمبر الجاري، ولاشك أن في مقدمة الخاسرين من هذا النجاح الانتخابي لحزب الجبهة الوطنية هم المهاجرون والفرنسيون من ذوي الديانة الإسلامية.
في حديثه مع جريدة “الخبر”، لم يتردد ماكسينس بوتي، النائب السابق عن حزب الجبهة الوطنية الذي انتخب بسان سانت دوني في مارس 2014 وتم طرده من الحزب، في كشف الصورة الحقيقية لحزب اليمين المتطرف الذي يصفه بالحزب المنافق الذي يضع الشباب في الواجهة أثناء الفترات الانتخابية بغية استخدامهم والعمل بهم كورقة ديناميكية رابحة، ثم التخلي عنهم مع رفض تسليمهم مهام على رأس مقاطعات، لاسيما إذا تعلق الأمر بالفرنسيين من الديانة الإسلامية.
وأكد بأن الجبهة الوطنية تغذت كثيرا من مخلفات الهجمات الأخيرة على باريس، وهي تستغل خوف الفرنسيين من تدهور الوضع الأمني للتركيز على مسألة الأمن، تجدر الإشارة إلى أن ماكسينس بوتي تم طرده سنة 2014 مباشرة بعد اكتشاف بأنه اعتنق الإسلام، حيث تم اتباع شتى الطرق من أجل تنحيته من منصبه وطرده بصفة نهائية من الجبهة الوطنية.
تصوروا حجم العاصفة السياسية والإعلامية التي كان يمكن أن تشهدها الساحة الفرنسية، ولو أن الطرد من الحزب كان بسبب اعتناق ماكسينس بوتي للديانة اليهودية على سبيل المثال، بل تصوروا نوعية رد الفعل تجاه أي حزب فرنسي يقدم على طرد أحد أعضائه بسبب اعتناقه لديانة معينة، حتى لو كانت البوذية أو الهندوسية؟