كلمة الرئيس
رعود.. على الحدود بقلم أ.د. عبد الرزاق قسوم

أ.د. عبد الرزاق قسوم
إلى متى يظل هاجس الخوف والرعب، من الإرهاب، رابضاً على حدودنا، مستبداً بقلوبنا، يغشي أبصارنا، ويفسد إعمارنا، ويقصف أعمارنا، وكأنه قدر، لا راد لقضائه؟
وإلى متى، يعبر، هذا الشبح الحدود، ويتخطى القارات والسدود، فيروع الآمنين، ويقض مضاجع الساكنين، إذ يفجر البنايات،ويغتال البرؤاء والبريئات؟
ويخطئ من يظن، أن الجزائر، بمنأى، عن هذا الشبح المخيف، وقد طوقت من معظم حدودها بآلياته، وإمكانياته؛ وصار يطلعليها، بتنظيماته، وطموحاته.
ففي أسبوع واحد، استطاع هذا البعبع المخيف، أن يخادع مصالح الأمن الفرنسية، على تعدد أشكالها، وتنوع سلطانها،استطاع أن يخادع هذه المصالح، ويتسلل إلى مراكز حيوية ليحدث فيها التفجير، ويقتل ويصيب الكثير، ويحدث اضطراباً فيالسير والمسير.
كيف تمكّن –إذن- هذا الظاهر المستتر، من أن يتصيد، ستة أهداف، لتحقيق مآربه، ولا من يردعه عنها، ولا من يحاربه؟ أينإجراءات الحيطة، والحذر، واليقظة، في دولة عظمى كفرنسا؟
لقد حيرنا –والله- هذا الأمر، الذي ترك الحليم حيرانا. فقبله، في نفس الأسبوع تصدى، لدولة عظمى أخرى هي روسيا، فأصابهذه المرة، سلاحها في الجو، فأعطب طائرتها، وقضى على مركبتها، فأصاب الجمل بما حمل. وإذا كان يستطيع مثل هذاالعدو، أن يحدث كل هذا الدمار في البر والجو، ويوقع بدولتين عظيمتين، فإن ذلك يطرح أكثر من سؤال؟
فإذا كان، الأمر بالنسبة لفرنسا قد وقع في الأرض، وعلى مرأى ومسمع من ترسانة الأمن، المعبأة، وحقق هدفه السخيفبقتل أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل فيما حدث أو يحدث، فإن الأمر، أخطر بالنسبة لروسيا. ذلك أن الطائرة الروسية قبل أن تحلقفي السماء، مرت بمراحل عديدة من التفتيش، والتدقيق، والتحقيق، مع الاستعانة بالكاشف الالكتروني «سكانير»، ومع ذلكأمكن مخادعة كل هذه الأجهزة المصربة، في بلد يجند كل قواته لمحاربة الإرهاب.
فهل تنظيم «الدولة الافتراضية الإسلامية» أقوى من تنظيم الدولة العظمى الحقيقية المدنية؟
إن هذا مما يزيد الطين بلة، ولا يجد لتعليله أية علة. لذلك يحق لنا أن نعلن عن الخوف، على الجزائر، من أن يصيبها –لا قدرالله- ما أصاب دولاً أخرى تشاركها في الحدود، والبنود، والعهود.
وبينما جرح مصر، وجرح روسيا، وجرح فرنسا، لم يندمل بعد، نكبنا بجرح آخر على حدودنا، وهو مأساة مالي، هذا البلد الذيفتح حدود أجزائه للطيران الفرنسي، ذات يوم، فحصد ما عاد بالوبال على سواح عزل، مساكين، يغطون في نومهم، ثقة منهمفي حماية سلطات مالي، حتى أخذوا على غرة، ووجدوا أنفسهم رهائن مسلحين، لا يعرفونهم، ولا توجد بيننهم وبينهم، أيةعداوة مسبقة. إنها السياسة التي حلبت عليهم كل هذا الويل والثبور.
فقد نقلت وكالات الأنباء، أن هؤلاء المسلحين، قد دخلوا فندق مالي المعروف بسيارة دبلوماسية، لا تمتلكها إلا السلطاتالدبلوماسية الرسمية. فكيف تمكن هؤلاء، من الحصول على هذه السيارة في غفلة من أهلها، ودون، واش أو رقيب؟
إن مأساة مالي هي الأخرى قد جاءت لتصب الزيت على النار، وتوقظ المزيد من الشك والاحتيار.
ولا زلنا، نلعق جراح مالي، ونعاني تبعات خروج وفدنا الجزائري الدبلوماسي سالماً من الفندق، حتى نكبنا من جديد بنكبةالحرس الجمهوري التونسي.
إن هذه المأساة التونسية، قد أنستنا ما سبق، إذا أن المصيبة حلت بالرأس، في جهاز الحراسة، المكلف بحراسة قمةالدولة، فعجز عن حماية نفسه، وراح أفراده ضحية الغدر، والتهاون، واللامبالاة.
وإلا، فكيف استطاع، «الانتحاري» الذي فجر نفسه، داخل الحافلة حسب الرواية الرسمية للحدث، كيف استطاع أن يتسللإلى الحافلة، ولا يدخلها إلا المحصنون المحميون؟
فإن كان دخلها، على حين غفلة من أهلها، فتلك مصيبة، وإن دخلها بتواطئ من بعضها، فالمصيبة أعظم.
إن هذه الأحداث وغيرها، هي الرعود التي زمجرت على حدودنا، فأحدثت فينا الهلع، ونشرت بيننا الخوف والفزع، فهذا العدوالمخيف، أصبح يأتي من كل نافذة وباب، وقد يكون مكشوف الوجه، وقد يتستر بحجاب أو نقاب، فيتخذ لنفسه كل الأسباب،ويدخل من الدهاليز أو الأبواب، ولا من راد لمسعاه، ولا من مرتاب.
رعود هي إذن، أمطرت وتوشك أن تمطر أفاعي وعقارب، ويمكن أن تحدث فتنة بين الأشقاء والأقارب، فتجند باسم العشيرة،والطائفية، الانتحاري والمحارب، فيا للعجائب!
إننا نرفع إذن، نداء استغاثة إلى كل القائمين على الشأن الأمني، في بلادنا وعلى حدودنا، ونقول بأن قوة داعش، هي منضعف الدول القائمة، وبدل أن نرغى ونزبد مما تفعله «الدولة الإسلامية الافتراضية» فينا، علينا أن نبحث عن نقاط الضعفعندنا، وما أكثرها، فنستأصلها، ثم نتجاوز منهجية الحل الأمني وحده، إلى الحل الديني، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي،فنصلح فيه ما يعانيه من خلل، ونمكن للعلماء، والعقلاء، والحكماء، بأن يسهموا في العمل التوعوي الذي هو أكبر نقطة ضعفعند شبابنا ومواطنينا.
فما لم نقم بعمل في العمق لإصلاح ما بنا، وما لم نقم بالنقد لذاتي في منظومتنا الأمنية، والدعوية والإعلامية، والسياسية،فستزمجر من حولنا، رعود، لا تلك التي يعقبها الغيث النافع الذي تحتاج إليه البلاد والعباد، وتملأ به السدود، وإنما هي الرعودالتي تتجاوز السدود، وتصل إلى غير المقصود، فيضعف بذلك الوعد والموعود.