مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دوليةقضايا الأمـــة

إلى روحيْ الطفلتين الفلسطينيتين أشرقت وهديل بقلم: حسين لقرع

 

لقرع حسين أ. حسين لقرع

  في ظرف 24 ساعة، أستشهدت طفلتان فلسطينيتان لا تتجاوزان الـ 16 من عمريهما، وهما أشرقت طه أحمد قطناني من نابلس وهديل وجيه عوّاد من القدس المحتلة، بعد تنفيذهما عمليتيْ طعن ضد مستوطنين صهاينة، دفاعاً عن المسجد الأقصى الذي لا يزال يُدنّس إلى حد الساعة.

  لو تعلّق الأمر بشبان ذكور، لكان عادياً؛ فالرجال عادة هم الذين ينبرون للحروب ولعمليات الاغتيال عبر التاريخ ويعرّضون أنفسهم لخطر الموت لما يتميّزون به من شجاعة فطرية خلافاً للنساء، أما أن تفعل ذلك فتاتان، بل طفلتان بالمفهوم القانوني الذي يحدد سنّ البلوغ بـ18 عاماً، فذلك هو الأمر الخارج عن المألوف، والذي ينبغي أن يثير الدهشة والإكبار والاحترام في نفوس 1.6 مليار مسلم في الأرض، فضلاً عن كل أحرار العالم.

  منذ مستهلّ شهر أكتوبر الماضي، والشباب الفلسطيني من الجنسين، يضحي بنفسه يومياً دفاعاً عن الأقصى، في القدس ومدن الضفة المحتلة، يقاتل بأبسط الوسائل التي لم تخطر يوماً على بال الصهاينة الذين كانوا يعتقدون يوماً أنهم قد قضوا على إرادة الفلسطينيين بعد أن نجحوا في تجريدهم من السلاح الناري بالضفة المحتلة وقضوا تقريباً على المقاومة بمساعدة شرطة السلطة في إطار ما يُسمّى “التنسيق الأمني” بين الاحتلال والشرطة الفلسطينية التي درّبها الجنرال الأمريكي دايتون في الأردن لهذا الغرض، فإذا بفلسطينيي الضفة يحوّلون سكاكين المطبخ وسياراتهم إلى أسلحة فتاكة أعجزت العدوّ وأقضّت مضاجعه وجعلته يقف أمامها عاجزاً لا يدري ماذا يفعل، بل إن الطفلة هديل وابنة خالتها في عملية الاثنين الماضي، دخلتا ساحة “انتفاضة الدهس والسكاكين” بسلاح آخر، وهو المقصّات، فهي أيضاً تصلح لطعن قطعان المستوطنين وينبغي أن تُستعمل في المعركة.

  في الانتفاضتين السابقتين، كان دور الفتاة الفلسطينية معتبراً، ولم تتخلّف عن دعم أطفال الحجارة والشبان المقاومين للاحتلال بشتى السُّبل، ولم تبخل بتقديم التضحيات، لكن دورها الآن في انتفاضة السكاكين يبدو أكبر في ظل إقدام العديد من الفتيات على اقتحام ميدان المعركة جنباً إلى جنب مع الشبان الشجعان، فبعد كل عملية أو عمليتين ينجزها شبانٌ ذكور، نشهد عملية بطولية تنجزها فتاة فلسطينية في مقتبل العمر بمنتهى الشجاعة والبسالة، ودون أيّ تهيّب من الموت، ليقدّمن بذلك درساً رائعاً في الشجاعة والإباء والذود عن المقدسات، لكل المترددين والجبناء، ولكل العملاء والمتآمرين على مقاومة هذا الشعب، في فلسطين والمحيط العربي الموبوء بالخيانة ونفض اليد من القضية المركزية، ولكل اللاهثين وراء مشاريع “السلام” الوهمية وماراطون المفاوضات العبثية…

  إن شعباً تنتمي إليه الطفلتان أشرقت وهديل وكثير من الفتيات الاستشهاديات اللواتي لا يترددن لحظة في دفع أرواحهن من أجل المسجد الأقصى المبارك، هو شعبٌ عملاق وسينتصر حتماً مهما طال الزمن ولو بمساعدة أشقائه العرب والمسلمين، نعرف جيداً أن السكاكين والمقصات والدهس بالسيارات، هي أسلحة بسيطة لن تحرّر فلسطين وتدفع الصهاينة إلى الهروب منها، ولكن يكفي أنها تقضّ مضاجعهم، وتبثّ الرعب في قلوبهم، وتنغّص عيشهم، وتعيد الأضواء إلى القضية الفلسطينية التي يُراد لها أن تُنسى وتتحوّل أنظار المسلمين والعالم أجمع إلى قضايا أخرى تُفتعل هنا أو هناك، أما تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فسيتكفل بها العرب والمسلمون إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين حينما تصحو الضمائر وينسون خلافاتهم وصراعاتهم وقضاياهم الهامشية التي خلقها العدو لإشغالهم عن أقصاهم، ومن يدري، فلعلّ العمليات البطولية للطفلتين أشرقت وهديل، وباقي عمليات الفتيات الفلسطينيات، هي بداية لإيقاظ النائمين، وتنبيه الغافلين اللاهين، وجعل العرب والمسلمين يشعرون بالخجل والعار وهم يرون فتياتٍ في عمر الزهور يفتدين الأقصى بأرواحهن في حين أنهم يستسلمون لليأس، أو يغرقون في الترف واللهو، فيهبّون لتحرير الأقصى وفلسطين على طريقة الناصر صلاح الدين.

  بقي أن نقول أخيراً لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري وهو يدين عمليات الطعن والدهس التي يقوم بها الفلسطينيون ويعتبرها “إرهاباً” ويدعو العالم أجمع إلى “التضامن” ضدها: لماذا لا تدينون لجوء الجنود الصهاينة إلى إطلاق النار على الفلسطينيين بقرار من نتنياهو؟ ولماذا لا تضغطون على الكيان الصهيوني رفقة باقي دول العالم التي تدعونها إلى “التضامن” ضد الفلسطينيين، لدفعه إلى وقف الانتهاكات اليومية التي يقوم بها قطعانُ المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، والتي تتسبّب في لجوء الفلسطينيين إلى الرد بعمليات الدهس والطعن؟

  ومع ذلك، لا يهمّ تنديدكم ولا انحيازكم السافر للكيان الصهيوني، ما يهمّ الآن هو أن الشعب الفلسطيني بدأ ينتفض على الظلم والقهر والجبروت، ويكافحه بوسائله الخاصة، وسيغيّر الشبان الفلسطينيون والشابات الفلسطينيات هذا الواقع المتردي حتماً ويعيدون الأمور إلى نصابها، رغم أنف كل الكائدين والمتآمرين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى