مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
قضايا الأمـــة

هل القابلية للاستعمار ما تزال تتسع في واقعنا؟ بقلم أ.د عمار طالبي

 

عمار طالبي أ.د عمار طالبي

  اهتمت بعض الجمعيات بذكرى وفاة المفكر الجزائري مالك بن نبي، رحمه الله، هذه الأيام مثل جمعية عين مسعود بعين أرنات بولاية سطيف الأسبوع الماضي بإشراف الأستاذ مهداوي والأستاذ رحموني وأعضاء الجمعية النشطين.

  وأريد أن أشير إلى فكرة مالك بن نبي في شأن القابلية للاستعمار التي أكدها في عدد من مؤلفاته، وشخصها علة أساسية في واقع التخلف الذي نعانيه.

  كان الاستعمار يهاجم البلاد العربية والإسلامية فيفتك بها لما تعانيه من ضعف حضاري، ولما تعانيه من عدم الحصانة كالجسم الواهن الذي إذا تعرض للجراثيم فتكت به، وأنهكته لفقدانه المناعة التي تقاوم هذا العدو المهاجم، وهو الضعف الذي أعقب سقوط دولة الموحدين بالنسبة للمغرب الإسلامي مثلا، فأصبحت الدويلات: دولة بني الأحمر في غرناطة، والمرنيين في المغرب، وبني زيان في تلمسان، وبني حفص في تونس تفتك جراثيم بعضها ببعض، ثم جاء الأسبان الذين تهيأ لهم الوضع، فاحتلوا غرناطة وأجزاء من المغرب، وسواحل الجزائر، وتونس، فهي دويلات قابلة لامتصاص الجراثيم التي تأتي على حياتها، وكانت بعض هذه الدويلات تستعين بالأسبان وتتحالف معهم ضد دويلات أخرى ظنا منها أنها تناصرها على عدوها.

  وها نحن اليوم في وضع أنكى وأمر في القابلية للاستعمار، فنحن اليوم ندعو الاستعمار ليأتي لديارنا لإنقاذنا ونستجير به ظنا منا أنه ناصرنا ومنقذنا مما نحن فيه.

  ولكن هذه الدعوة يقصد منها قتل الناس الذين يريدون العدالة، ويرفضون الاستبداد، فيأتي هذا الاستعمار ضيفا يساعد الظالمين المستبدين على قتل الناس وتشريدهم وتهجريهم وتدمير المدن والمؤسسات، فجاء الأمريكان ودمروا العراق وزرعوا فيه جراثيم الفتن الطائفية والعرقية، وألغام القتل، قتل الناس بعضهم لبعض، وتدمير الدولة وإشاعة الفوضى، ثم جاء الغربيون وتحالفوا بدعوى محاربة الإرهاب، وجاء الروس واستعمروا سوريا وسلطوا طيرانهم وجيوشهم الجحيم على الناس والمدن بدعوى حماية النظام من أن يسقط، ومحاربة الإرهاب، وأصبح حزب الله حليفا لهذا كله، ولهؤلاء الروس والأمريكان الذين ينسقون مع إسرائيل في شأن أجواء سوريا للحفاظ على حرمة أجواء إسرائيل، وعلى حرية طيرانها في هذه الأجواء والتدريب العملي على ذلك.

  وأدى هذا كله إلى انتقال الإرهاب إلى لبنان بسبب الوضع في سوريا، وأصبح حزب الله مقصدا للتفجير، والتدمير، في بيروت ذاتها، بسبب الخطإ الفادح الذي وقع فيه رئيس الحزب للمشاركة في تدمير سوريا تأييدا للنظام لا للشعب، وقد حذر الأمين العام السابق لحزب الله من مغبة هذا التورط وأنه يسيء إلى الشيعة نفسها، وله عواقب وخيمة.

  ويقول الناس العقلاء اليوم إن ما يقوم به حزب الله وإيران في العراق وسوريا والبحرين واليمن أصبح واضحا أنه عمل مذهبي طائفي لإشعال نيران الفتنة بين السنة والشيعة، وذهبت أدراج الرياح سمعة حزب الله في المقاومة وسمعة الثورة الإسلامية ليصبح هذا التمزق ظاهرة من ظواهر القابلية للاستعمار، وذهبت فكرة الأمة الإسلامية، وجاءت أمة الشيعة، وأمة السنة لأغراض سياسية طائفية تتنافى مع مفهوم الأمة بمعناه الإسلامي، فكيف يتفق الأمريكان مع الشيعة في التصرف في العراق؟ هل هذا مقصد الإمام الخميني في ثورته؟ فأصبح الأمريكان والروس وإيران في تحالف للنفوذ إلى سوريا واليمن ولبنان ومن وراء ذلك دولة الاحتلال التي تستغل الفرصة لتدمير الأقصى واستيطان فلسطين حتى لا يبقى موضع قدم للفلسطينيين لإقامة دولة.

  سكتت إيران وحزب الله عن دولة الاحتلال سكوت الأمريكان عنها، فبدلا من أن يحافظ حزب الله على سلاحه لمقاومة الاحتلال كما يقول ويؤكد المقاومة باستمرار استنزف جنوده وسلاحه في المحاربة والقتال في سوريا، ولكن ما هي نتيجة ذلك إنها تدمير واستنزاف في غير موضعه والعلة في ذلك والسبب إنما هو القابلية للاستعمار استعمار الأمريكان والروس شعر الناس بذلك أو لم يشعروا وما تزال أمراض الأمة القديمة تنخر نسيج الأمة وتأكله من داخله قبل خارجه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى