غير مصنف
نقد الاتهام بين علماء الإسلام يزيد الأمة انهزاما بعد انهزام وانقساما بعد انقسام بقلم الشيخ محمد مكركب
من الظواهر السلبية والفتن القاسية على الأمة الإسلامية حوار الاتهام بين علماء الإسلام، وطعن بعضهم في بعض، وإذا انقسم العلماء وانقلب الإخاء إلى عداء، فقد اشتد البلاء، وعم الشقاء، وتطاول السفهاء، فقد تصدى بعض العلماء لإخوانهم العلماء الدعاة بالطعن والقدح والاتهام، لا لشيء إلا لأن المتهمين اجتهدوا بأدوات فكرية جديدة، وآليات دعوية سياسية حديثة، لم يدرك حقائقها المخالفون، فكان اقتحام ستر الحياء والعافية على وقار العلماء من قبل نقد جارح وقاس، سببه عاطفةٌ زائدة عن منطق الفطرة، أو بسبب نشوةِ إعجابٍ ناتجة عن قلة الخبرة.
لقد اختلف الأئمة الكبار في الاجتهاد، منهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم كثير، ولكنهم ما طعنوا في بعضهم، وما عاب واحد منهم على أخيه، إلا من شذ كما شذ بعض المحدثين، ففي كل شريحة تحدث هفوات، ولكن لا ينبغي أن تصبح حروبا كلامية بانتقادات مشفرة، أو بدسائس عدائية مدبرة.
والاجتهاد في الفروع، والمستجدات، والسياسة، وسائر شئون الدنيا كل ذلك لا يجوز لعالم مهما كان أن يعترض على عالم في اجتهاده، وفي رأيه المخالف لرأيه.
إن حوار الاتهام والطعن في علماء الأمة الإسلامية، ظاهرة سلبية خطيرة، شَوَّهت وجه الصحوة الإسلامية، وأحدث شرخا كبيرا في بنيان الدعوة النبوية، وأهدت لأعداء الإسلام سلاحا يحاربون به الإسلام والمسلمين، ومنحتهم حجة يستعملونها ضد الدين ما كانوا يحلمون بها، ولو أنفقوا ملء الأرض ذهبا، فجاءتهم لقمة سائغة باردة على لسان علماء قليلين لهم يد في العلم نعم، ويد في الشهوات، غلبهم الحماس، وغَلَطُ المراس، فخاضوا في أعراض الناس، وما وجدوا أمامهم إلا العلماء الدعاة، يخدشون مقامهم، وينهشون سيرتهم، في خرجة خوارجية، لم يسبق لها مثيل بهذا الحجم، وبهذا الوجه.
وعلى العلماء الربانيين الأجلاء الذين أُوذُوا في طريق الدعوة أن يصبروا، ولا يستغربوا هذه الخرجة، لأنهم متيقنون بأن مقامهم لن يكون خيرا من مقام الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وقد تعرض الأنبياء لأكثر من ذلك، من قبل شياطين الإنس والجن، الذين أخبر الله تعالى عنهم، وأنهم يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. وقد ردد أحد العلماء الدعاة عندما تعرض للطعن من قبل بعض الجارحين القادحين، قول الشاعر:
( قالوا الله ذو ولد. وقالوا الرسول قدكهنا. فما نجا الرسول من بُهتانِـهم، فأين أنا).
إن أول المعنيين بالحوار الهادئ، والهادف، والهادي، هم العلماء، فإذا صار العلماء أنفسهم بعيدين عن الحوار الأدبي العقلاني، وتنكر بعضهم لضوابط الأخوة، والتعاون، ومن ضوابط الأخوة: التماس العذر للآخر، والتسامح، وتفضيل المصلحة العامة للأمة على المصلحة الخاصة، فإذا بلغ أمرهم مبلغ العداوة، ولم يعالج، فإننا نخشى أن يصل بعضهم إلى حالة نعوذ بالله منها ورد خبرها في الأثر. قرأت في (اللسان): ” من اقْتِراب السَّاعة أَن يَتَمَرَّسَ الرَّجُلُ بِدِينِه كما يَتَمَرَّسُ البَعِيرُ بالشجرة. يَتَمَرَّسُ بِدينه، أَي: يَتَلَعَّبُ به، ويَعْبَثُ به كما يَعْبَثُ البعير بالشجرة “
إن الحقد على العلماء من قبل علماء مرض خطير يعود وباله على نفوس الحاقدين. يروى أن الداعية محمد الغزالي، رحمه الله، قال: لاحظت شابا يتكلم بحقد عن أحد الدعاة، فقلت: ما تنقم منه؟ قال الشاب: ما يعرف السنة؟
قال محاوري أتسمح؟ قلت: قل، قال: مرة أخرى، وثالثة، ورابعة، ما هو سبب هذا الخلاف وليس الاختلاف؟ قلت: مرضان؟ قال: مرضان؟ قلت: أجل هما مرضان: الهوى، والجهل. قال: ولكن هذا الخلاف وهذه أخطاء تصدر حتى ممن يسمون أنفسهم علماء؟ قلت: هذا هو سر الفتنة، وهذا هو البلاء المبين. وهو أن يتخاصم العلماء كتخاصم الجهلاء.