غير مصنف
من وحي هجمات "فرنسا"..! بقلم الشيخ كمال أبو سنة
الإسلام دين يمقت الظلم والظالمين، وينهى عن العنف، ويرفض الشدة في غير محلها، ويكره إرهاب الناس بغير وجه حق، وشريعته السمحة لا تبيح استعمال القوة في غير السياق الذي حدد ضوابطه القرآن الكريم في أكثر من موضع، وبينت تفاصيله السنة النبوية الصحيحة، قولا وفعلا وتقريرا…وعلماء المسلمين، قديما وحديثا، قد شرحوا بالتفصيل فقه الجهاد والقتال فلم يُفوتوا شاردة أو واردة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها..!
إن الهجمات الأخيرة في فرنسا التي أسفرت عن مقتل العشرات من الفرنسيين ومئات الجرحى، ومنهم بعض المسلمين، حيث استهدفت هذه الهجمات أماكن عديدة في أنحاء العاصمة الفرنسية، عمل غير صالح، لا يقره عاقل ولا يرضاه، فالنفس البشرية لها حرمتها، ولا يجوز أن يعتدي عليها أحد إلا بالضوابط التي أصَّلها أهل العلم المعتبرين في ضوء الكتاب والسنة، إذ إن التمييز واضح في فقه الجهاد بين الكافر المحارب والكافر غير المحارب، بل حتى في الحرب لا يجوز أن يُعتدى على طفل صغير أو شيخ كبير أو امرأة أو راهب أو الفلاحين والتجار وكل من ليس من أهل القتال كالمرضى والمعوقين…ولنا في سيرة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وفي سيرة خلفائه الراشدين شواهد كثيرة…
ما حدث في فرنسا هو تحصيل حاصل للسياسة التي انتهجتها كثير من الدول الغربية التي اعتمدت على الكيل بمكيالين في تعاملها مع القضايا العربية والإسلامية، ومنها أحداث سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والعديد من البقاع التي تُسفك فيها دماء المسلمين بغير حساب، حتى أصبح قتل الآلاف من المسلمين في يوم أو بعض يوم مسألة عادية لا يهتز لها أصحاب القرار في الدول الغربية لأن وراء كل حدث تُسفك فيه دماء المسلمين يد غربية ساعدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في ذلك، إما بالتوجيه أو بالتمويل أو بالتحريك أو غض الطرف..!
إن أبسط ما يقال في أحداث الجمعة في فرنسا أنها “بضاعة غربية” رُدت إلى أرض غربية، والغريب أن التعاطف الدولي الواسع مع ضحايا الهجمات لم يكن متوازنا وعادلا حين نقارنه بتعاطفه مع الأنفس البريئة التي زُهقت بغير ذنب بسبب القنابل الروسية التي ما تزال تُلقى من الطائرات على المدن والقرى السورية وتحصد أرواح المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، وتخلف مئات أخرى من الجرحى وأصحاب الإعاقات يوميا…ونفس الكلام يقال عن الأرواح التي تُزهق في فلسطين المحتلة أمام مرأى العالم من طرف الاحتلال الصهيوني المدجج بأعتى الأسلحة، والمدعم ماديا ومعنويا من طرف الغرب، وعلى رأسه “أمريكا”..!
إن نفاق الغرب في تعامله مع قضايانا أوصله إلى مرحلة لابد فيها من أن يذوق من نفس الكأس المرير الذي أذاقه للعرب والمسلمين، فهو يجني ثمار ما زرعه من شوكِ وُقُوفِه إلى جنب الديكتاتوريات التي صنعت مآسي الشعوب العربية وشعوب العالم الثالث، وتآمره ضد التجارب الديمقراطية الوليدة قبل “الربيع العربي” وبعده، وتدخله في شؤوننا بمكر وخداع لضمان مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة، وقبل هذا وبعده، هو يحصد نتائج عقيدته الصليبية التي لم يستطع التخلص منها، وإن حاول إخفاءها بادعائه العلمانية والديمقراطية واحتضانه أكذوبة “حوار الحضارات والأديان”..!
إن إرهاب الدُّول لا يقل خطرا عن إرهاب الأشخاص والمنظمات، وكل هذا مدان ومرفوض لأن الله خلق الحياة فهي حق طبيعي لجميع الناس، وقد خرجوا من بطون أمهاتهم أحرارا فلا يجوز استعبادهم تحت أي عنوان..!