مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراءقضايا الأمـــة

متى يتمّ تنفيذ أحكام الإعدام بحق قتلة الأطفال؟ بقلم أ.حسين لقرع

 

لقرع حسين أ. حسين لقرع

  أعاد العثور على الطفل عماد الدين ميتا في حفرة للمياه القذرة بوهران، الجدل حول استمرار تجميد تطبيق أحكام الإعدام بحق مختطفي الأطفال وقاتليهم؛ إذ طالب المواطنون في مختلف المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي السلطة برفع التجميد عن أحكام الإعدام وتطبيقها على قاتلي الأطفال على الأقل، إذا كانت ترفض تطبيقها في باقي الحالات المعروفة التي يصدر القضاة بشأنها أحكاماً بالإعدام بحق المتورطين فيها.

   لم يثبت على حدّ الساعة أن الطفل عماد الدين الذي “اختفى” 57 يوماً كاملاً ثم عُثر عليه الثلاثاء الماضي، 11 نوفمبر 2015، قد أُختطف وقُتل، فهناك فرضية بأنه سقط في حفرة المياه القذرة الموجودة قرب المنزل العائلي، ولكن ذلك لم يمنع آلاف الجزائريين من مطالبة السلطة برفع التجميد عن تطبيق أحكام الإعدام، والشروع في تنفيذها ضد كل من تثبت التحقيقات ضلوعَه في اختطاف طفل وانتهاك عرضه وقتله دون رحمة أو شفقة.

   والملاحظ أن هذا المطلب قد أصبح ملحّا لدى الجزائريين في السنتين الأخيرتين بسبب الارتفاع المذهل لحالات اختطاف الأطفال وقتلهم بوحشية. وفي استطلاع رأي لموقع إلكتروني تابع لإحدى الجرائد الجزائرية، أبدى 98.4 بالمائة من الجزائريين تأييدهم لتنفيذ أحكام الإعدام بحق مختطفي الأطفال وقاتليهم، مقابل 1.6 بالمائة فقط ممن طالبوا بالاكتفاء بسجنهم، وهو استطلاع يعكس الواقعَ بوضوح، فالأغلبية الساحقة من الجزائريين موافقة على تطبيق القصاص، مقابل أقلية قليلة تعتبره “حكما وحشيا” و”غير إنساني” وتدافع عمّا تسميه “الحق في الحياة” أي حق للمجرمين في البقاء على قيد الحياة والاكتفاء بسجنهم، مع أنهم أقدموا على سلب أطفال أبرياء حقهم في الحياة بكل وحشية، وبذلك تُثبت الأقلية العلمانية في البلد مدى انسلاخها عن دينها وانفصالها عن واقع شعبها ودورانها في فلك الدول والجمعيات الحقوقية الغربية التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام نهائيا من تشريعات الدول الإسلامية وتعويضها بالسجن لفترات طويلة.

   لقد أثبتت تجربة “تجميد” أحكام الإعدام في الجزائر منذ أواخر عام 1993 إلى الآن، أنها غير فعّالة في ردع الجريمة والحدّ منها، بل بالعكس من ذلك تماماً، فقد كان هذا الإجراء عاملاً مساعِداً على تفشي الجريمة بشكل مذهل وخاصة في العشرية الأخيرة، إذ أصبح المجرمون يجرؤون على استعمال السيوف والأسلحة البيضاء جهارا نهارا ويمارسون بها شتى الجرائم دون أن يخشوا عواقب ذلك، السجن لم يعد يخيفهم لأنهم خبِروه ولم يروا فيه ما يردعهم عن دخوله مجددا من فرط “التحسينات” التي أدخلت عليه باسم “الأنْسنة” التي اعتمدتها السلطات استجابة لضغوط منظمات حقوقية دولية من مصلحتها غرق بلادِنا وشبابنا في الجريمة، ولذلك نجد أغلب المجرمين يعودون بسهولة وسرعة إلى عالم الجريمة دون اكتراث بالعواقب، ما يعني فشل السجن في تقويم سلوكاتهم.

   وانطلاقاً ممّا سبق، وبسبب تفشي الجريمة عامة، وجرائم اختطاف الأطفال خاصة، فقد بات ملحّا رفعُ التجميد عن أحكام الإعدام والعودة إلى تطبيق كل الأحكام الصادرة بهذا الشأن، والبداية بأحكام الإعدام الصادرة ضد مختطفي الأطفال وقاتليهم، فذلك أدعى إلى ردع هذه الجرائم والحدّ منها.

   ربما كانت للسلطة أعذارٌ وهي تُقدم على تجميد أحكام الإعدام قبل 22 سنة؛ فالوضع الأمني في البلد آنذاك كان ملتهباً، وقد رأت السلطة أن معالجته بإجراءات سياسية أدعى إلى عودة الأمن من التطبيق الصارم للقانون، فكانت المصالحة الوطنية تجربة خاصة ذات طابع سياسي. ولكن الوضع اليوم يختلف وأصبح المجتمع يعاني استشراء الجريمة، ولابدّ من رفع التجميد عن أحكام الإعدام لمعالجة هذه الآفة التي تهدّد المجتمع وتقضّ مضاجع الناس، وتجعلهم يفكرون بشكل مستمرّ في أطفالهم وأملاكهم أكثر مما يفكرون في عملهم ومختلف مشاغل الحياة.

   القصاص حياة لنا؛ حياة لهذا المجتمع الذي يهدد أمنَه ثلة ٌ من المجرمين الذين يحميهم مشتغلون بـ”حقوق الإنسان” المزعومة، والذين لا يرون سوى “حق” هؤلاء في الحياة، دون أن يروا الحق نفسه للأطفال الأبرياء. كان منالمفروض ألا  يُستماع إلى “ضجيج” الأقلية المتغرّبة المنسلخة عن دينها والمنفصلة عن شعبها، وكان الأجدر أن يُسمع إلى ما تريده الأغلبية الشعبية في هذا البلد المسلم، وهي لا تريد مستحيلاً، بل تريد فقط تطبيق ما يقرّه دينُها الحنيف بشأن معالجة الجريمة والقصاص من القتلة، وهو حق مشروع لها، وحتمية بات الواقع المعيش يطرحها بإلحاح، فهل تستجيب لها السلطة بعد طول تردّد وتماطل؟ نأمل أن يحدث ذلك قريباً، وإلا فإن ما حدث لعشرات الأطفال الأبرياء سيتكرر ويتفاقم، والجريمة ستتفشى وتصبح لحملة السيوف والسكاكين الكلمة العليا في هذا المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى