كلمة الرئيس
العمل الإسلامي: من التنصير الديني إلى التبشير الطائفي.. بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم
ويح أمتنا الإسلامية مما تعانيه، من غزو أعدائها، وظلم أبنائها، وتنطع أدعيائها. فقد أثخنتها الجراح، وانتهكتها الأتراح، وبرح بها التكفير البواح.
فبدل أن يعي أمراؤها، وعلماؤها، وعقلاؤها خطورة التحديات الخارجية، وعواقب العدوانية العسكرية، ومؤامرات الطغمة الصهيونية، على الأماكن المقدسية، واغتيالاتها للبراعم الفلسطينية الحية، بدل أن يعي الجميع كل هذه التحديات، تنصب لأمتنا فخاخ التكفيرية والتضليلية، والتفسيقية، باسم المذهبية، والطائفية، والعصبية الجاهلية.
فإن من علامات قيام الساعة في أمتنا الإسلامية، أن تشن حروب شرسة بين أبنائها، على أساس ديني، أو مذهبي أو طائفي، ويسعون –بها- في الأرض فسادا، والله لا يحب الفساد أو المفسدين.
والأعجب من كل هذا أننا كنا، نستعين بالأجنبي ليساعدنا بعلمه، وماله، وصناعته، على الخروج من التخلف، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتأمين الحد الأدنى من الرفاهية، والاستقرار لمواطنينا، فأصبحنا اليوم على العكس من كل ذلك، نستنجد بكل أسلحة الدمار، لهدم الدار، وقتل الجار، وتحويل الإعمار إلى “قفار”، بـ”الميڤ” و”الجاغوار”؛ فيا للعار!
من كان يظن، أن أمتنا التي كانت خير أمة أخرجت للناس، بما حملت من نبل الأمانة، وحماية الإنسان من الذل والإهانة، وتحصين الذات بأقدس أنواع قيم الصيانة، ها هي ذي أمتنا تهون على نفسها وعلى الناس، فتعطي الدنية في دينها؛ فتقدم القرابين من أساطينها، وتعطل أحكام شرع دينها، فتختل كل موازينها، وتنهار كل مبانيها ومعانيها.
وهل أتاكم حديث الغازية للحقول، والبقول، والمفسدة للمعتقدات والعقول، من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟ وهل أتاكم نبأ الخصم الذي يتسور الحدود، ويهدم السدود، ويعتدي على مقدسات الأباء والجدود؟
إنهم أولئك الذين يقتلون على الهويّة، فيساعدون الجلاد على ذبح الضحية، ويدكّون البيت على ساكنيه، والمسجد على متعبديه والسوق على مرتاديه..
لذلك كنا –ولا نزال- ندعو إلى تحريم التدخل الأجنبي، تحت أي غطاء كان، وبأية وسيلة كانت، لحل النزاعات الداخلية بين أبناء البلد الواحد.
وكنا ولا نزال، نردد، بأن عهد احتلال الثكنات والحقول، وتغيير المعتقدات والعقول، سواء بالتنصير أو بالأسطول، إن هذا العهد قد ولى إلى غير رجعة.. وأن من حاول إعادته، كمن ينفخ في رماد، ويبعث الحياة في الجماد.
وفي بلاد الجزائر، يريد الناس، أن يعيشوا آمنين مطمئنين، لا يعكر صفو حياتهم القمل أو الجراد، ولا عدوانية المنصرين أو المبشرين، على عقول العباد، أو مقدسات البلاد.
لقد كنا نظن –وبعض الظن إثم- أن الغزو التنصيري، هو وحده الذي ينبغي أن نأمن جانبه، وقد حذرنا قرآننا من هذا حين قال ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[سورة البقرة، الآية 120]، ولكننا نفاجأ اليوم، بأنه إلى جانب التنصير الخارجي الذي يحمل الإنجيل، هناك تبشير طائفي آخر، يعتمد على التدجيل، والتضليل، لتغيير أحكام التنزيل، والتشويش على معتقدات الناس، ببث الفتنة، وزرع الأقاويل، ونبش مآثر الصحابة وأمهات المؤمنين، باللجوء إلى سوء التأويل.
فقد خرج علينا هذه الأيام، أحد علماء أهل الشيعة، وهو الشيخ مقتدى الصدر، الذي كنا نكن له التقدير لمجرد انتمائه إلى المفكر الشيعي الكبير، الشيخ محمد باقر الصدر، بما بثه هذا الأخير، من فكر يعلو على الطائفية في كتابة القيم “فلسفتنا”، وكتابة القيم الآخر “اقتصادنا”، ولكن الأحفاد خيبوا ما كان لدينا عن الأجداد. كنا نحسب مقتدى الصدر، أحد المقاومين للاحتلال الأجنبي في العراق، ولكن ما راعنا إلا أن زعيم المجموعة المسلحة في العراق بغمد سلاح المقاومة ضد الغزاة، وبشهر سلاح المساومة ضد إخوانه السنيين، المسالمين الآمنين المطمئنين في بلادهم الجزائر، فيعمل على زرع القتنة الطائفية بين صفوفهم، ليستعديهم على قومهم، ويؤلبهم ضد إجماع شعبهم، و”يبشر” باسم الطائفية المقيتة، بوجود شيعة مضطهدين بيننا.
فإذا كان السيد مقتدى الصدر يعني شيعة قدموا إلينا من العراق أو إيران، أو لبنان، فمعاذا الله، أن يعانوا أي نوع من أنواع التمييز الطائفي، بل إنهم إخوة لنا في الإسلام، والإسلام الصحيح يضيق بالتنوع داخل الوحدة.
وإن كان السيد مقتدى الصدر يقصد جزائريين تشيعوا، فإننا نتساءل بكل إيمان وعلم: ما الذي يفقده السني في مذهبه، حتى يبحث عنه لدى المذهب الشيعي؟
وهل يستفيد المذهب الشيعي عندما يعمد إلى السني، فيحوله عن قناعته السنية إلى قناعة شيعية، والسني يؤمن بكل الأنبياء، ويقدس كل الخلفاء، ويجل كل الصحابة، ويعتبر أمهات المؤمنين منـزهات عن اللمز، والغمز، والطعن.
لماذا لا يوجه إخوتنا الشيعة جهدهم التبشيري الطائفي، إلى الذين لا دين لهم في أوروبا، وآسيا، وإفريقيا فيعيدوهم إلى الإسلام، ولو على المذهب الشيعي؟
لماذا لا يتجهون إلى الشيوعيين، الذين يكفرون بالله فيحولونهم إلى شيعة، والشيعي خير –عند الله- من الشيوعي.
لماذا لا يوجه السيد مقتدى الصدر نداء يندد فيه باضطهاد الفلسطينيين من طرف الصهاينة المحتلين؟
إننا نبرأ إلى الله من فتنة السيد مقتدى الصدر، وندعو أئمة وعلماء المذهب الشيعي إلى التنديد بمثل هذه الفتنة، وأن يرفعوا أيديهم عن مثل هذه النزعات الطائفية الضيقة، التي لا تزيد الأمة الإسلامية إلا فرقة وشتاتا، خصوصا وهم يرفعون مبدإ التقريب بين المذاهب.
فأين الوفاء لمبدإ التقريب، مما يدعو إليه مقتدى الصدر وأمثاله، يا أئمة وعلماء المذهب؟
نريد أن نسمع صوتكم، ففي إبداء رأيكم إزالة لكل غشاوة عن العيون والعقول، وإنا لمنتطرون!