حوارات
الشيخ رائد صلاح: الصراع الذي تشهده غزة العزة ستكون محصلته الأخيرة في القدس والأقصى المبارك
هذا الحوار أجرته مجلة المجتمع الكويتية قبل أكثر من عام، وبالضبط في سبتمبر 2014، ولما فيه من معلومات هامة ذات صلة بموضوع الأقصى والقضية الفلسطينية عموما، لاسيما فيما يتعلق بالتفاؤل العالي الذي يحمله الشيخ رائد صلاح واطمئنانه على مستقبل القضية ما دامت القضية عادلة في مواجهة محتل غاصب ظالم، فما ضاع حق وراءه طالب، بهذه المناسبة التي تقوم فيها شعب الجمعية لبلديات العاصمة بمعارض ووقفات احتجاجية خاصة بنصرة الأقصى الذي يعاني اعتداءات الاحتلال الصهيوني المتكررة والاقتحامات والتقسيم، نعيد نشر هذا الحوار تعميما للفائدة ودعما لأفكاره الرئيسية.
التحرير
* «صحِّ النوم».. كلمة صدرت منكم بدا عليها أنها رسالة متضمنة، خاصة أنك قلتها بعد استعراض موقف الرئيس التركي «أردوغان».. ماذا قصدت بها؟
– بالنسبة للرئيس «أردوغان»، فقد أردت أن أؤكد أنه يمثل النموذج الحق الذي يعتبر قضية فلسطين بكل ثوابتها جزءاً من همومه كرئيس لدولة مسلمة، ويرى أن نصرتها واجب في عنقه، كوجوب تقديم دوره في كل قضايا الدولة المسلمة التي يقف على رأسها، وهذا ما نتمناه أن يتحول إلى نموذج في مسيرة كل رؤساء الدول المسلمة والعربية، وأنا على يقين أنه إذا تحقق ذلك؛ فإن هذا سيعطي متنفساً للشعوب العربية والمسلمة لتؤدي دورها على أكمل وجه، وعندها سنكون قاب قوسين من تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك.
أما على صعيد جامعة الدول العربية، فما زلت أؤكد بألم أن هذا التأخر غير المبرر وغير المعذور الذي أسكت صوت الجامعة العربية لمدة تزيد عن 45 يوماً، والحرب الدموية متواصلة على غزة العزة، دون أن نسمع ولو كلمة استنكار من جانب جامعة الدول العربية، ودون أن نقرأ أي بيان عنها؛ جعلني أؤكد تلك الجملة التي قلتها بدافع حرصي على أن تؤدي الجامعة العربية الدور الذي يلتقي مع طموحات الشعوب العربية، سيما وأن الشعوب قد نفذ صبرها.
* معركة «العصف المأكول» العدوان الثالث على غزة خلال خمس سنوات، ورغم الصعاب؛ فإن يد المقاومة كانت هي العليا، كيف تقرأ ذلك؟
– من متابعتي أقول: إن المقاومة الفلسطينية وجهت في عام 2008 – 2009م ضربة موجعة للاحتلال «الإسرائيلي» في معركة «الفرقان»، وقد حاول أن يكابر وأن يدعي أنه انتصر في تلك المعركة، ثم عادت المقاومة الفلسطينية في عام 2012م ووجهت ضربة أشد في معركة «حجارة السجيل»، ونجحت في أن تفرض شروطها التي لبَّت المصلحة العامة في تلك الأيام لأهلنا في غزة العزة، ثم قامت بتوجيه ضربتها القاضية على غرور الاحتلال «الإسرائيلي» في هذا العام (2014م) الذي أجبره وأجبر إعلامه أن يعترف بأنه واجه مقاومة فريدة من نوعها لم يواجهها منذ عام 1948م؛ وهذا يعني أن المقاومة الفلسطينية في مسيرة صعود، وأما الاحتلال «الإسرائيلي» ففي هبوط وتفكك سينتهي به إلى زوال قريب بإذن الله تعالى.
* كيف تقرأ المشهد بين عامي 2012 و2014م في ضوء الدور المصري في إيقاف العدوان «الإسرائيلي»؟
– في تصوري، هناك فارق جذري؛ فالرئيس «مرسي» الذي لا يزال هو الرئيس الشرعي لمصر كان منحازاً إلى الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» في حرب عام 2012م، ولكن «السيسي» قد انحاز إلى الباطل «الإسرائيلي» في مواجهة الحق الفلسطيني في الحرب الحالية (عام 2014م)، وانطبق على كليهما قول الحكيم: «كل إناء بالذي فيه ينضح»! فلأن الرئيس «مرسي» يمثل الشرعية المصرية، فقد مثَّل الموقف الأصيل لمصر بدوره الإسلامي والعربي والحضاري والتاريخي، بينما «السيسي» الذي مثَّل دور المتسلط المحتل لمصر؛ فقد كان ولا يزال يمثل دور الخيانة المفضوحة التي تتناقض مع مصر أم العروبة والإسلام في الماضي والحاضر والمستقبل.
* هناك من قال: إن انتصار المقاومة في غزة عام 2009م كان ملهماً لثورات «الربيع العربي»، فهل يمكن أن يزدهر هذا الربيع بانتصار عام 2014م؟
– هذا القول هو في نظري حق لا ريب فيه، وهو من نعم الله تعالى على مسيرة الصمود والمقاومة في قطاع غزة تحديداً، حيث تعدت ثمار جهودهم الدائرة الفلسطينية إلى الدائرة العربية ومن ثم إلى الدائرة الإسلامية ثم إلى الدائرة العالمية؛ ولذلك فإن تأثير هذه البطولة النامية سيزداد يوماً بعد يوم، فإذا كان هذا تأثيرها في عام 2008م؛ فهذا يعني أن تأثيرها في عام 2014م أقوى، وهذا ما يذكرني بقول الأستاذ المفكر راشد الغنوشي الذي قال: إن هذه الحرب ستُحدث تغييراً جذرياً في خارطة العالم العربي.
* ما مكانة القدس في هذا الصراع؟
– كل هذا الصراع الذي شهدته غزة العزة ستكون محصلته الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ لأن جوهر هذا الصراع يتمثل في محاولة الاحتلال «الإسرائيلي» فرض أوهامه الباطلة التي تتمثل في تهويد القدس، وبناء هيكل خرافي على أنقاض قبة الصخرة التي تقع في قلب الأقصى، ولكن في المقابل هناك الإصرار عند المقاومة في غزة على ضرورة الانتصار في غزة كمقدمة ضرورية لتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأنا متفائل، وأؤكد أن هذا ما سيكون في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.
* ما آخر الأوضاع في المسجد الأقصى المبارك؟
– ما أقرأه أنا حالياً هو أن الاحتلال «الإسرائيلي» يحاول أن يغيِّب تغييباً مطلقاً إرادة هيئة الأوقاف الإسلامية في الأقصى المبارك، وإرادة وزارة الأوقاف الأردنية، صاحبة السيادة الأولى على المسجد الأقصى، ويحاول أن يغيِّب سيادة الأردن كدولة تعتبر العنوان الأول المتفق عليه في كل المواثيق الدولية أنه صاحب المسؤولية المباشرة على المسجد الأقصى المبارك، وكل هذه المحاولات البائسة من قبل الاحتلال «الإسرائيلي» هي بهدف أن يستفرد بالمسجد الأقصى وحده، وأن يتصرف فيه كما يشاء؛ ومن هنا تأتي هذه الإفرازات المؤذية التي بتنا نراها يومياً؛ مثل الاقتحامات «الإسرائيلية» المتكررة، ومع ذلك أنا أقول بيقين: لن يتعدى الاحتلال «الإسرائيلي» قدْرَه الباطل والزائل بإذن الله تعالى.
* هناك حديث عن بدء خطة فعلية ورسمية للتقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك، ما مدى صحة ذلك؟
– حتى لو ظن الاحتلال أن الوقت مناسب لمثل هذه الجريمة، فلن يتحقق ذلك، وحتى لو جنَّد لهذا الأمر آلافاً من قواته؛ فلن يتحقق ذلك، وحتى لو فرض بقوة سلاحه في الظاهر وقتاً زمنياً يدخل فيه المستوطنون، ويُمنع المسلمون من الدخول فيه إلى المسجد الأقصى؛ فلن يتحقق هذا التقسيم؛ لأنه صادر عن باطل، وما بني على باطل فهو باطل، وما دام هو باطل فهو زائل، والقضية قضية وقت ليس إلا.
* ومع ذلك، هل هناك خطة للتقسيم الزماني كمقدمة للتقسيم المكاني؟
– الاحتلال لا يُخفي وجود أكثر من خطة عنده في هذا الاتجاه، بل هو لا يُخفي حديثه الدائم أن التقسيم الزماني في حساباته مقدمة لفرض التقسيم المكاني على المسجد الأقصى المبارك، ثم سعيه الواهم لبناء هيكل خرافي مكان قبة الصخرة التي تقع في قلب المسجد الأقصى المبارك، ولكن أقولها بيقين: إن أوهامه ستبقى حبراً على ورق، وستندثر مع اندثاره القريب إن شاء الله تعالى، خصوصاً إذا ما استجمعت الأمة المسلمة والعالم العربي على صعيد الحكام والعلماء والأعلام والشعوب الدور المطلوب الواجب في أعناقهم.
* كيف قرأتم المفاوضات بالقاهرة ونتائجها؟
– في تصوري، العقبة الأولى في هذه المفاوضات ليس التعنت «الإسرائيلي»، بل هو تعنت «السيسي» الذي يقوم بدور المفاوض «الإسرائيلي» بالوكالة عن الخط «الإسرائيلي» الأمريكي الأوروبي، فكما هو واضح فهو الذي يرفض بشكل سافر بعض مطالب الوفد الفلسطيني؛ بادعاء أنها تصطدم مع الأمن القومي المصري، علماً أنه أعدى أعداء الأمن القومي المصري، وهو الذي يدعي أنه لا يجوز أن تخرج حركة «حماس» بمكتسبات من خلال هذه المفاوضات، وهو الذي يصر إلى جانب ذلك على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية من غزة، ووضع اليد على الأنفاق أو مواصلة تدميرها؛ ولذلك لست متفائلاً من هذه المفاوضات، وإن حدث انفراج فسيكون مؤقتاً، وقد ينفجر في المستقبل القريب.