غير مصنف
الناخبون في مصر يشهرون البطاقة الصفراء في وجه النظام الانقلابي ! أ. عبد الحميد عبدوس
أ. عبد الميد عبدوس
بالرغم من مناشدات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتوسلاته للمصريين بأن يشاركوا بكثافة في الانتخابات البرلمانية، وبالرغم من التهديد بفرض غرامات مالية على المقاطعين، حيث أعلن مستشار مجلس الوزراء لشؤون الانتخابات، عشية الانتخابات :” إن القانون أوجب غرامة مالية قدرها 500 جنيه للممتنعين عن المشاركة في الانتخابات، ما لم يكن هناك عذر مبرر” وعزز هذا التهديد مصدر قضائي بالقول: ” إنه فور الانتهاء من اليوم الثاني للتصويت بالمرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية ، سيتم حصر أسماء الناخبين الذين تخلفوا عن الإدلاء بأصواتهم، وإرسالها إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها”، ورغم محاولة وسائل الإعلام الحكومية حشد الناخبين في اليوم الثاني للتصويت بتوجيه دعوات وصلت إلى حد شتم فئات الشعب المصري وتوبيخه على مقاطعة الانتخابات ،فقد جاءت نسبة التصويت صادمة ، بل مهينة لنظام عبد الفتاح السيسي في أول انتخابات برلمانية بعد الانقلاب على نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي. إذ قالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن نسبة المشاركة في اليوم الأول لم تتجاوز 4%. وهذا ما جعل صحيفة ( الفايننشال تايمز) البريطانية تلاحظ ” أن الإقبال المتدني على انتخابات 2015 في مصر، يتناقض تماما مع مشهد انتخابات 2011 ، عندما احتشد الناخبون المصريون في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم, لاختيار أول برلمان بعد ثورة 25 يناير” .
أما المفكر المصري جمال سلطان ، رئيس تحرير صحيفة ( المصريون) فقد كتب “… الشعب أدار ظهره للرئيس عبد الفتاح السيسي ، هذه خلاصة المسألة ، والشعب لم يعد يثق في العبارات الرنانة والأغاني الراقصة والأماني العذاب ، كما أن هتافات تحيا مصر لم تعد تستر أنات الشعب وعذاباته في كل تفاصيل حياته التي تزداد قهرا وكابوسية ، والناس أحبطت من توالي الوعود وعدم تحقيق شيء منها ، بل تتجه الأوضاع لما هو أسوأ ، ومصر التي هي “قد الدنيا وها تبقى قد الدنيا” تحولت إلى متسول يعيش على صدقات المحسنين في الخليج لحسابات سياسية خاصة ، والتي تحولت إلى فتات يتبخر خلال شهر أو شهرين لينهار كل شيء بعدها ، على النحو الذي نشاهده في تبخر الاحتياطي النقدي للدولة ، والمشروعات الكبرى التي أعلن عنها تعطل بعضها وارتبك البعض الآخر وكل يوم تصريح مغاير عنها ، والمشروع الوحيد الذي تم إنجازه وهو توسعة قناة السويس انتهى إلى ما يشبه إهدار المال العام ، لأن عائد القناة تراجع بعدها ولم يزد ، بما يعني أن الحسابات كانت خاطئة وغلبت روح الفهلوة والدعاية وصناعة البروباجاندا السياسية على أولويات الوطن ومصالح الناس الحقيقية …”
لقد حاول رئيس الوزراء المصري مواجهة الكارثة الانتخابية عند ظهور بوادرها في اليوم الأول من الانتخابات ( الاحد 18أكتوبر) بتخفيض ساعات العمل في المؤسسات الحكومية في اليوم الثاني( الاثنين 19 أكتوبر) ، مدعيا أن القرار “جاء تلبية لرغبة الأهالي والمواطنين بمحافظاتهم بتمكين أبنائهم وأسرهم من الإدلاء بأصواتهم في دوائرهم الانتخابية” ، كما حاول تضخيم نسبة التصويت وصلت إلى 20% وأنه يتوقع أن تزيد مع الوقت ، في محاولة لتشجيع الإقبال على التصويت، ولكن الناخبين المصريين صمموا على توجيه رسالة واضحة للنظام الانقلابي الذي أراد أن يعيد نظلم حسني مبارك من النافذة بعد أن طردته ثورة 25 جانفي من الباب العريض! فقد وصل عدد المترشحين من فلول الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع إلى أكثر من 200 عضو للتنافس على مقاعد البرلمان الجديد، وهو ضعف عدد المترشحين من حزب النور السلفي الذي قبل بأن يؤدي دور «الكومبارس» أو الواجهة الإسلامية للوضع السياسي الجديد، ولكنه رغم ذلك تلقى أكبر إهانة في هذه الانتخابات التي خرج فيها من الدور الاول خالي الوفاض، وربما تظافر احتقار النظام وغضب الشعب على هذا الحزب الذي فضل مساندة الانقلاب على طول الخط وبلا تحفظ ،وللتذكير فقد حل حزب النور في الانتخابات البرلمانية السابقة في المرتبة الثانية بعد حزب الاخوان المسلمين مباشرة !!.
أما الباحث السياسي خليل العناني فيقول: “على الرغم من بطشها وقمعها، تحرص الأنظمة السلطوية على إجراء انتخابات، ولو شكلية، سواء على مستوى البرلمان أو المحليات. فالانتخابات، على الرغم مما قد يصيبها من فساد الإجراءات وتزوير النتائج، تمثل إحدى الأدوات المهمة لشرعنة أفعال السلطة، وضمان قدر شعبي، ولو ضئيلاً، لتأييدها.لذا، كلما زاد قمع هذه الأنظمة، زادت حاجتها لانتخاباتٍ يمكن أن تعطيها غطاءً خارجياً يبرر قمعها وبطشها. ليست الانتخابات بحد ذاتها، إذاً، دليلاً على الديمقراطية، وإنما قد تستخدم مؤشراً على الديكتاتورية والسلطوية “
لقد وصلت “خريطة الطريق” التي وضعها النظام الانقلابي والتي تم إعلانها في 8 تموز/يوليو 2013 عقب الإطاحة بمحمد مرسي، إلى مرحلتها الثالثة والأخيرة مكملة بذلك مسار التراجع السياسي والفشل الاقتصادي الذي طبع حكم الرئيس السيسي واستحواذ قوى الثورة المضادة على زمام الأمور في مصر، وجاءت انتخابات البرلمانية المصرية لتكشف حجم الغضب الشعبي على منطق السير في الاتجاه المسدود. ولذلك رأت صحيفة القدس العربي في موقف الشعب المصري ان “هذا الموقف التاريخي للشعب المصري، انما يعود إلى حزمة من العوامل والمعطيات الثقافية والسياسية والاقتصادية لا يمكن اجمالها في هذه العجالة، لكنها تثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى ما يتمتع به من وعي تلقائي، ومناعة ضد الاحتواء والانجرار وراء الحملات الاعلامية، سواء من هذا الطرف او ذاك في الصراع السياسي.”