كلمة الرئيس
رسائل روسية، سورية، غبية بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم

ماذا دهى القيادة السياسية والعسكرية في روسيا، حتى تلقي بجندها، وعدتها، وعتادها، في هذه المغامرة السورية، المجهولة العواقب، الخاسرة المكاسب، المحفوفة بالمصاعب والمتاعب؟
ألم تتعظ روسيا، بهزيمتها النكراء على أيدي المقاومين الأفغان، والمجاهدين الشيشان، وكل ما خسرته في عدد من البلدان؟
ألا يدرك القادة الروس، عواقب مغامرتهم العسكرية في سوريا، على الصعيدين العسكري والسياسي، وكم ستكلفهم هذه المغامرة من زاد وعتاد، وكساد، وفساد، في الأرواح البشرية، والعدة العسكرية، والذمة السياسية؟
ما هي الرسائل المشفرة، التي تحاول القيادة الروسية التلويح بها، من خلال إقدامها على قتل شعب ضعيف أثخنته الجراح، وأنهكته الأتراح، وغابت عن ملامح أبنائه كل معالم البسمة، وعلامات الأفراح؟
يجمع الملاحظون الراسخون في علم السياسة والفنون العسكرية، أن هذه الحملة العسكرية الروسية الحامية الوطيس في سوريا، محسومة النتائج لغير صالح روسيا، وخطيرة العواقب على جيش روسيا، وقيادته العسكرية، والسياسية، ومنظومته الاقتصادية والاجتماعية.
وتعال معي، يا قارئي العزيز نستبطن –معا- ذهنية القيادة الروسية، سياسيا وعسكريا، لنستخلص، بكل موضوعية وحيادية، محتوى الرسائل التي تحاول هذه القيادة بثها، عبر الإلقاء بجيشها في أتون الحرب السورية العفنة، التي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس من محيطها، وتوشك أن تلقي بلهيبها إلى كل البلدان المجاورة لها.
إن إخضاع المقدمات، والمعطيات التي أفرزتها المواقف الروسية، في أدائها السياسي على الصعيد السوري، وتعاملها مع أطراف الحرب الدائرة منذ سنين في سوريا، يمكنه أن يستشف ملامح الرسائل التي تحاول روسيا أن تبعث بها للجميع، من خلال ما أقدمت عليه من مغامرة طائشة، وهي رسائل تبدو –لأول وهلة- غير ذكية، وغير منطقية. فلنخضعها للتحليل:
تريد روسيا، أن تخرج من عزلتها الرهيبة التي وقعت فيها، منذ سقوط حائط برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وما سبق ذلك وما تبعه من جراح ظلت روسيا تلعقها من اشتراكها في أكثر من حرب خارج حدودها. لذلك فهي تريد أن تعود للظهور اليوم من خلال استعراض قواتها، وتجربة أسلحتها ضد الشعب السوري الشقيق، المهيض الجناح، المثخن بالجراح.
الهرولة لنجدة النظام السوري، الآيل للسقوط تحت ضربات المعارضة، بعد أن فشلت كل محاولات الإنقاذ السياسية، والدبلوماسية، التي تحطمت –كلها- على صخرة المقاومة السورية القوية بحقها، وإيمانها، واستبسالها. ودع هناك أسطورة محاربة الإرهاب، فما هي إلا سراب، ودع هناك مهاجمة الدولة الإسلامية، فما هي إلا تقية ذرائعية لإخفاء النوايا الحقيقية.
العمل على تجسيد حلف غير شريف، يجمع بين المتناقضين، أي جمهورية روسيا الإلحادية والجمهورية الإيرانية الإسلامية، تحت مظلة ما بقي من الجمهورية العربية السورية، لإيصال السلاح والعتاد، إلى المساندين للنظام السوري الهش، كمتطوعي حزب الله، وغيرهم.
استغلال الوقت بدل الضائع الذي تعيشه الأمة العربية، بعد أن فجرت كل طاقاتها الذاتية، وقضت على كل عوامل حياتها الداخلية، فيئس أعداؤها من كل بادرة تصدر منها، ما دامت مشغولة بتدبير تدمير أبنائها، تحت عناوين شتى، في اليمن، والعراق، وسوريا، ومصر، وليبيا.
التمكين للعدو الصهيوني –بالتنسيق معه- للاستفراد بفلسطين والقدس الشريف، في غفلة من العرب والمسلمين، المنشغلين بقتل بعضهم بعضا، فتدحرجت بذلك قضية فلسطين، في أوليات العرب والمسلمين إلى آخر التصنيف على سلم الأولويات.
الاستفادة من ضعف القيادة الأمريكية، والحلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي عموما، الذي يطبق سياسة النعامة، كلما تعلق الأمر بقتل الفلسطينيين، والعرب والمسلمين في كل جزء من أجزاء العالم.
إن الظاهر من هذه الرسائل -وما خفي أكثر- كلها تنم عن غباء في تقليب أمور السياسة، والاستخفاف بإرادة الشعوب، وكأن ما وقع من قبل في أفغانستان، وأذربيجان، والشيشان، وغيرها، محته مياه البحار والمحيطات، ونسخته المجاملات والابتسامات، فلم يعد له وقع في ميزان القادة السوفيات خصوصاً والغربيين عموماً.
والسؤال، أين هو سلاح النفط العربي، ومفعول المال العربي، ومعاهدات التضامن العربي، بل أين هي الجيوش العربية مما يحدث اليوم لسوريا على يد القوة الروسية، وما يحدث لفلسطين، والقدس الشريف، على يد الصهيونية الماكرة الغادرة؟
إننا لا نلوم الروس على ما أقدموا، ويقدمون عليه، بالرغم من إدراكنا، لهزيمتهم المادية والمعنوية المحققة، ولكننا نلوم أنفسنا، فقوة أعدائنا من ضعف أشقائنا. وما يمكن أن ننتهي إليه من استعراض الأحداث الدموية المؤلمة، التي تجسد على مسرح الوطن العربي والأمة الإسلامية، إن هو إلا تأكيد لمرحلة الجزر التي تمر بها أمتنا، وأعوذ بالله من السلب بعد العطاء.
فأمتنا لا ينقصها المال، فهي من أغنى البقاع مالا، وطاقة، وإستراتيجية، ولا ينقص أمتنا الرجال، فأمتنا ودود، ولود، ولعل مشكلتها هي هذه الديموغرافيا القافزة التي تسير على غير هدى. بل إن طاقة الشباب في أمتنا –على عكس باقي الشعوب- هي الطاقة الغالية، ولكن سوء التكفل بالشباب، والسفاهة في تسيير الأموال، والعبثية بالطاقة البترولية، والإستراتيجية، هو الذي أضعفنا وقللنا في أعين الأعداء، فاستخفوا بنا، فاستباحوا أرضنا، ودنسوا عرضنا، وعطلوا فرضنا.
في ضوء هذا الواقع العربي الإسلامي المرير، يجب أن تقرأ رسائل الغزو الروسي لسوريا، وهو غزو ينم عن رسائل غبية، ولكن يصبح الغباء ذكاء، عندما يفقد الذكاء موقعه، وموضعه، وذلك ما هو حاصل اليوم في وطني العربي الأكبر، الذي قزمه بنوه، فحولوه إلى وطن أصغر، ولله عاقبة الأمور.