غير مصنف
العمل الجماعي قوة وبركة (1) بقلم أ. نور الدين رزيق
يقول عز وجل:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(آل عمران: 103)، ويقول جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}(الصف: 4)، ويقول سبحانه:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: 105)، ويحذر من التنازع الذي يبدد الغاية ويفشل الهدف، فيقول:{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 46)
وقد صح في الحديث: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» (أحمد)، وكذا في الحديث: «عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» (أبو داود)، وصلاح الحياة ومصالح الناس لا تتم عادة إلا من خلال اجتماعهم وتعاونهم؛ لذا يقول تعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(المائدة: 2).
والمؤمنين مطالبين بالود والتآلف، كما وصفهم الحديث: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (أخرجه مسلم)، فإن العاملين لدين الله أحق وأولى بهذا المظهر الاجتماعي الرائع؛ لأنهم هم الأسوة الذين يقتدى بهم؛ فلا ينبغي أن يكونوا فتنة لأتباعهم.
تلك فضيلة وضرورة العمل الجماعي، لابد أن يتبعها ضوابط وآداب إسلامية:
كل عبادة في شريعة الإسلام تشملها سنن وآداب ترتفع بها إلى مقام الإحسان، عملا بالتوجيه الرباني:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم}(الزمر: 55)، ومن ذلك فريضة العمل الجماعي التي أمر بها المولى عز وجل في قوله:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(آل عمران: 103)؛ فإن لها سننا وآدابا تحكم العلاقات الداخلية بين أفراد الجماعة، وبينهم وبين المسئولين عن هذا التجمع من أهل العلم والقيادة، لذا فإن من شرعنا يوجب على مجرد الثلاثة إذا انطلقوا في طريق سفر أن يوكلوا لأحدهم قيادة مسيرتهم وضبط حركتهم، وهذا ما يطلق عليه شرعا منصب «الأمير»، وقد صح في الحديث: عن نافع عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» (أبو داود).
إن المسئول أو الأمير لا يكون قائدا يحقق الهدف الشرعي من مهمته إلا إذا استمع الناس لرأيه وأطاعوه في توجيهه، وذلك بعد أن يعمل الرأي ويشاور من حوله إذا اقتضى الأمر؛ فإذا عزم على وجهة أو قرار يجب أن يمضي في اختياره، ويجب على أتباعه طاعته، قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران: 159).
فإنه بعد أن ألزمه بمشاورة أصحابه لم يقل: فإذا عزمتم، وإنما أرجع القرار في النهاية للقيادة وحدها (فإذا عزمت) فالأمير هو الذي يختار من بين الآراء ما يراه صائباً، وهو الذي يقرر ويعزم وعلى البقية طاعته.