غير مصنف
ولاؤنا لله..! بقلم الشيخ كمال أبوسنة

من العلل الخطيرة المهلكة في طريق عملية الإصلاح ارتباط بعض السائرين في هذا المسار الرباني، بسبب ضعف التزكية النفسية، وغياب الوعي بالحقائق الشرعية، بالأشخاص فيتحول هذا الارتباط، مع مرور الأيام والليالي، إلى ولاء أعمى لا يفرق بين الصواب والخطأ، وبين الحق والباطل، وتقدّم القناعة على حساب الدليل، بل ويطوّع الدليل من أجل القناعة خدمة للهوى الخفي، وإرضاء للمعبود الجديد..!
إن الارتباط الكلي في حركة الإصلاح بالغاية العظمى، وهي”الله”، التي يواليها المصلح الحق ويسعى طالبا الوصول إلى مدارك رضاها في الغضب والرضا، والسكون والحركة، هو بداية التوفيق الدنيوي، والفوز الأخروي، مصداقا لقوله تعالى في محكم تنزيله:{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.[يونس:63].
إن”الإمعية” نتيجة حتمية للولاية الفردية الطاغية التي يصنعها الأتباع بالتسليم المطلق فتتحول إلى سرطان يقتل ببطء جسد حركة الإصلاح، يوما بعد يوم، حتى ينهكه وينهك معه روحه، فلا ينفع طب بعد ذلك ولا دواء، فيومها يُقلّب العاملون أكفهم على ما أنفقوا فيها وهي خاوية على عروشها، ويندمون على ما فرطوا في جنب الله{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً}.
هذا المعنى الذي أشرنا إليه يوضِّحه جيدا هذا الموقف العظيم الذي وقفه أبرز تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، صاحبه بالغار، ووزيره وصديقه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي ثبته الله يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلِّم أمته أن ولاءها لا يكون إلا لله، وأن الأشخاص، مهما يعلو قدرهم، وتكبر منزلتهم في القلوب، لا نتبعهم إلا بإتباعهم لله، فإن غيروا، لا نغيّر، وإن بدلوا، لا نبدل، وزوالهم لا يعني زوال الحق السرمدي لأن الحق باق إلى قيام الساعة فهو مستمد وصفه من الحق الذي له الأمر بعد الخلق، فعن عائشة- رضي الله عنها- : ( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مات وأبو بكر بالسنح – قال إسماعيل : يعني بالعالية – فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقبله. قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا، والذي نفسي بيده لا يذيقنَّك الله الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا – صلى الله عليه وسلم – فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }[الزمر الآية:30]. وقال: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }[آل عمران الآية:144]. فنشج الناس يبكون…”[ رواه البخاري في الجامع الصحيح رقم 3667].
إن “عالم الأشخاص” عالم لا يضبطه إلا الإيمان والتقوى، فإن فقد هذا العالم الفاني هذين الشرطين المهمين امتلأ بالنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، وظهر فيه أعداء السريرة إخوان العلانية، وكثر القذف، وأوتمن فيه الخائن، وخوِّن الأمين، وكُذِّب الصادق، وصُدِّق الكاذب، ونطق الرويبضة فتكلم في أمر العامة، ولبس عابد الهوى محتلب الدنيا بالدين للناس مسوك الضأن من اللين، لسانه أحلى من العسل، وقلبه أنتن من الجيفة، وأمرّ من الصبر…فاللهم جنبنا مزالق الهوى والشهوات، واربط على قلوبنا فلا نرى سواك.