الجرأة في طلب "المسؤوليات"..! بقلم الشيخ كمال أبوسنة

  الشيخ كمال أبوسنة

  “المسؤولية” أمانة ثقيلة معقودة في عنق صاحبها ما دام يتحملها، سيسأله الله عليها يوم الحساب، فإن فرّط جُوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من تحملها بحق، وأدى الذي عليه، فأجره عند الله عظيم..!

ولهذا حين جاء أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو صادق اللهجة، يطلب “مسؤولية” عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يوكل إليه أمرا خوفا عليه من التفريط لضعفه، وليس اتهاما له في نفسه، قولا واحدا، لأن الصحابة كلهم عدول، ولأن في العادة هناك من يطلب “مسؤولية” وهو مريض النفس، عليل القلب، تابع للشهوات، فيطلبها حين يطلبها لتحقيق غرض ذاتي خفي، لا يخفى على الله، وهذا الخلق أبعد ما يكون عن أبي ذر الغفاري العابد الزاهد الذي طلق الدنيا ثلاثا، وعاش يريد الآخرة حتى لقي ربه.

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها). أخرجه مسلم.

قال الإمام النووي -رحمه الله-في شرحه على صحيح مسلم:

“هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية”.

وروى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:

( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعنت عليها).

قال الإمام ابن دقيق العيد-رحمه الله- في “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام” ص453:

“لما كان خطر الولاية عظيما بسبب أمور في الوالي وبسبب أمور خارجة عنه، كان طلبها تكلفا ودخولا في غرر عظيم فهو جدير بعدم العون، ولما كانت إذا أتت من غير مسألة لم يكن فيها هذا التكلف، كانت جديرة بالعون على أعبائها وأثقالها، وفي الحديث إشارة إلى ألطاف الله تعالى بالعبد بالإعانة على إصابة الصواب في فعله”.

هناك من الناس من يحتج بقول النبي الصديق يوسف عليه السلام وفعله حين طلب من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض لحفظه وعلمه معتبرين أن طلب الإنسان للمسؤولية بناء على كفاءته أمر ميسور غير مرفوض أو مردود كما جاء في القرآن:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}.

والحق أن يوسف عليه السلام لم يكن في طلبه إلا منفذا لأمر الله وما كان ذلك عن أمره، فتعينه كان من السماء بعد أن استخلصه الملك لنفسه، وهذا ما يوافق عموم ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي حذرت من طلب “المسؤولية”، ثم من يرى الجواز فليأتني بإنسان يملك عقل يوسف وقلبه في زماننا هذا وهو موصول بالسماء لنجعله على خزائن الأرض وحتى المريخ..!

إن شقاء أمتنا وانهزامنا الحضاري ووهننا مرده بالأساس إلى أناس همهم أن يكونوا “مسؤولين” على شؤون عامة حبا في الوجاهة، وطلبا لمغنم دنيوي، وهم في الواقع لا يؤتمنون على قيادة قطيع من الغنم لا يتعدى أصابع اليد، ولكنها الجرأة على الله واتباع الهوى، سلمنا الله من كل شر، وثبتنا على الحق حتى نلقاه.

Exit mobile version