مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

التمويل المالي عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بيـن الماضي و الحاضر بقلم أ.نور الدين رزيق

 Sans titre 8 أ. نور الدين رزيق

الحمد لله القائل في كتابه {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله وعلى ىله وصحبه أجمعين.

  إن جمعية العلماء ظاهرة فكرية واجتماعية وحضارية، استطاعت أن تقف أمام المخططات الاستعمارية، وسلخ الشعب الجزائري من مقوماته الدينية والحضارية، بفضل الإيمان الراسخ والعزيمة الفولاذية، رغم إمكانياتها المادية والبشرية المتواضعة، إن مشروع الجمعية يحتاج منا إلى وقفات في كل جوانبه، وإضاءة جوانب من جهادها، وهي بحق مرجعية قريبة العهد، تستفيد منها الأجيال الحاضرة لمواجهة تحديات التغريب والعولمة. وربط حاضرها بماضيها، والتطلع إلى مستقبل مشرق.

  نقف في هذه الورقة عند طرق التمويل المالي لهذه الجمعية العريقة قديما وحديثا على ما وقفنا عليه من مراجع في هذا الجانب.

1 /موارد الجمعية في تمويل مؤسساتها قديما:

إذا استعرضنا تاريخ تمويل المؤسسات الخيرية والدينية والاجتماعية عبر التاريخ الإسلامي بكل مراحله نجد أنه لم يكن يعتمد أصلا على التمويل الحكومي، وإنما كان مصدره الأوقاف العامة والخاصة، وبهذا نستطيع تفسير استمرار العطاء الحضاري للمسلمين، حتى بعد انهيارهم السياسي. وظلت تحتفظ بهذا التراث وتقوم بتمويل مختلف المرافق الدينية والاجتماعية إلى حقبة دخول الاستعمار الغربي الذي قام بمصادرة وتأميم الأموال الوقفية وتحويلها لخدمة مآربه.

  واجهت جمعية العلماء عقبة التمويل، إذ تبنت برنامجا طموحا، يقوم أساسا على التربية والتعليم، وهذا يتطلب منها أموالا. فلم تجد بُدًّا من اللجوء إلى الأمة التي تبنت مبادئها وتعمل على تجسيد أشواقها، وإعادتها إلى أصالتها ودينها الذي حاول الاستعمار جاهدا أن يفك الارتباط بها. ويصور الشيخ ابن باديس إقبال الناس على العطاء والبذل على الرغم من ظروفهم المعيشية: “قد خرج قابض الجمعية ولاقى من الناس إقبالا وسرورا، وحصل على قدر لا بأس به، لكنه دون ما كنا نتوقعه فشكرنا الناس على كل حال، لأنهم اعتادوا على البذل المنظم”.

يعتمد تغذية صندوقها من هذه الموارد:

  1. ما يدفعه الأعضاء من اشتراكات رمزية.

  2. تبرعات المحسنين (النقدية والعينية):

    • بعض المحسنين يكفلون مجموعة من الطلبة بإطعامهم.

    • البعض يتبرع بثمن الخبز.

    • أهل بسكرة يرسلون كمية من التمر.

    • تخصيص قسم لسكنى الطلبة.

  3. ما هو من إعانات الحكومة.

  4. واجب تعليم التلاميذ القادرين على الدفع.

  5. مشاركة جمعية العلماء في دعم صندوق الطلبة.

  يلاحظ الشيخ على ذلك المقدار الزهيد للاشتراكات وهي: “فرنكان” وهي قيمة زهيدة، إلا أن لها أثرا بالغا ونفعا عظيما، لأنه أولا: بأن المقدار اليسير يتيح ويشجع أغلب أفراد المجتمع من الاشتراك، فتتوسع قاعدة الجمعية، ثانيا: تعويد الناس على البذل والسخاء المنتظم، وفي ذلك ما فيه من تربية على خُلق البذل المتواصل، على أن الجمعية لا تكتفي بهذا المبلغ الزهيد لأن المحسنين سوف لن يقفوا عند هذا الحد. بل سيجودون ويغدقون الجمعية بما فتح الله عليهم.

  ولا تكتفي الجمعية بالإنفاق على المدرسة وشؤون التعليم بل خصصت صندوقا يتكفل بإيواء الطلبة الوافدين من مختلف أنحاء القطر.

  يرى الشيخ البشير أن الاهتمام بالشؤون المادية للمعلمين من أوكد الواجبات على الجمعيات، ليتمكنوا من تكوين جيل من الأبناء يكونون في مستوى من المسؤولية، وأن التفريط في هذا الجانب يِؤدي إلى نتائج عكسية في نفسية الطلبة والتلاميذ، وإذ كنا لا نخشى أن يفروا من الزحف ثقة بهم واعتمادا على متانة دينهم… فإننا نخشى أسوأ عاقبة، نخشى أن يعلموا أبناءنا بلا قلوب ولا عقول، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى صلة القلوب بالقلوب والعقول بالعقول، فإذا حصل ذلك جاء التعليم، وفيه أثر الجوع والهزال، وعليه سيماء الفقر والخصاصة.

  مثلا بالأمم المتحضرة التي توفر أرزاق القضاة حتى لا تلجئهم مطالب الحياة إلى الرشوة، وكذلك يجب توفير أرزاق المعلمين حتى لا تطمع أنفسهم إلى هجر التعليم.

أهمية الإنفاق في تمويل التعليم:

  إن الأمم تشيد المؤسسات، وتقيم المصانع لتوفير الحاجيات، وتوظيف العمال والإطارات، وتسعى لتوفير كل مرافق الحياة، من أجل البلوغ إلى حياة كريمة وعيش رغد. غير أن بناء المدارس والمعاهد لإحياء العلم ونشر المعرفة وبث القيم الدينية والخلقية، هي أهم ما ينبغي على الأمم أن تقوم به، يقول الشيخ البشير في هذا الصدد: “تبني الأمم ما تبني من القصور وتشيد ما تشيد من المصانع، وتنسق ما تنسق من الحدائق، فإذا ذلك كله مدنية ضخمة، لكنها بغير المدرسة عقد بلا واسطة، أو جسم بلا قلب، وإذ ذلك كله إرواء للغرائز الحيوانية، وإرضاء لعواطف الدنيا بالمتع والملذات. أما إرواء العقل والروح، وإرضاء الميول الصاعدة بهما إلى الأفق، فالتمسهما في المدرسة، لا في القصر، ولا في المصنع.”

2/ طرق التمويل حاضرا:

  المال هو وقود أي عمل خيري مؤسسي يساهم في تنمية المجتمع، وبدونه قد يكون صعبا أن يمارس هذا العمل دوره على النحو المأمول، غير أن تدفق الأموال من المتبرعين إلى المشروعات الخيرية ليس أمرا سهلا، إنما يحتاج إلى جهد منظم من طالب التبرع، حيث يقوم بإقناع المتبرع بمشروعه لكي يموله سواء أكان هذا المتبرع فردا أو مؤسسة.

  كما أن عليه معرفة القوانين الحاكمة للتبرعات والتي تختلف من دولة لأخرى، إضافة لمعرفة معلومات دقيقة عن المتبرع وتوجهاته، خاصة في ظل ظروف التضييق الدولي على عملية التبرعات وربطها بما يسمى بـ: “الإرهاب” أحيانا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

ما هو الطريق الأفضل لدفع المتبرع للتبرع؟

  هناك طرق عديدة لدفع المتبرع للعطاء. والمفتاح هو السؤال والإلحاح بالسؤال والطلب. وتذكر أن تخبر المتبرعين كيف يساهم دعمهم بإيجاد التغيير الملموس. ومن المهم جدا أن تشكر المتبرع على تبرعه وتخبره بنتائج مساهمته. العديد من المتبرعين يرغبون بالتعرف على كيفية استخدام تبرعاتهم، ولهذا فعلى الجمعية أن تكون مستعدة لاطلاع المتبرعين والإجابة على أسئلتهم.

وسائـــــل جمــــع التبــــرع:

  نظرا لأن الأفراد هم الفئة الأكثر أهمية في مسألة التبرعات في العالمين العربي والإسلامي؛ لذا فإن الوصول لهم يحتاج إلى وسائل عدة أبرزها ما يلي:

  • الاتصالات الشخصية المباشرة: وهي التي تحدث وجها لوجه، وهي الأكثر فعالية؛ حيث إن هناك العديد من الأسئلة التي قد يطرحها المانح، والتي تجد لها إجابة في اللقاء مع المستفيد.

  • حملات طرق الباب: حيث يتم ومن خلال المتطوعين طرق أبواب المواطنين ودعوتهم للمشاركة في التبرع لغايات وأهداف معينة.

  • التبرع من خلال الحملات في الشوارع والأسواق: حيث يقومون بالوقوف عند إشارات السيارات ومفترق الطرق ويجمعون بحصالاتهم ما يجود به المتبرعون.

  • الخطابات الشخصية التي تأخذ الصفة الشخصية البحتة التي يجب إعدادها بدقة متناهية، وتجيب عن جميع الأسئلة التي يمكن أن يطرحها المانح.

  • الاتصالات التليفزيونية التي تنقل رسائل الجمعية ببساطة ويسر وتأخذ صفة غير رسمية مع الجهة، سواء أكان فرد أم أسرة، ويتم فيها طلب الدعم والمساندة منهم.

  • المناسبات الخاصة: كالأعياد أو في رمضان، أو المناسبات التي أصبحت متعارفا عليها (يوم العلم).

  • الدعوة للتبرع بوساطة الإعلان بوسائل الإعلام المختلفة: ويتطلب ذلك اعتماد وسائل ذكية لافتة للانتباه في الإعلان بالإضافة إلى البساطة. ومن أمثلة ذلك “أغيثوا غزة” “كتاب لكل مواطن” على شكل sms الرسائل النصية خاصة مع الاستخدام المتزايد للهاتف الجوال.

  • الدعوة للإسهام في تغطية نفقات الخدمة: تغطية نفقات تعليم طالب جامعي، فيلم وثائقي عن الجمعية، تجهيز مدرسة ونادي ثقافي.

  • الحفلات السنوية: التي يدعى إليها الميسورون والمقتدرون والمهتمون بعمل الخير. وتقام في العادة في إحدى القاعات الكبرى، حيث يجتمع الجميع ويقدمون تبرعا للجمعية (مبادرة شعبة برج بوعريريج، المركز الثقافي الإسلامي).

  • مقترحات المشاريع: خاصة عندما تقوم الجمعية بتقديم المقترحات المتعلقة بطلب تبرع لإنشاء مشروع أو تكملته، أو تشغيل مشروع طبي أو تعليمي أو اجتماعي. وقد أصبح إعداد المشاريع وصياغتها من أهم الوسائل المعتمدة خاصة من المنظمات المانحة لتقديم الدعم أو مواصلته والمتعلقة بتنفيذ المشاريع الخيرية (المشاريع الرسالية).

  • الاشتراكات وبطاقة العضوية: التي تعد ضمن الدخول التي تعتمدها الجمعية في تأمين دخل لإدامة أعمالها، وزيادة الاشتراكات ضرورة ماسة حيث إن قاعدة العضوية المتسعة تسهم من خلال هذه العضوية في الوصول إلى العديد من المانحين والراغبين في الإسهام في دعم أعمال الخير.

  • معارض بيع الكتب والأسواق الخيرية والبازارات النسائية بالخصوص التي تقيمها الجمعية لهدف تسويق منتجاتها كإحدى الوسائل المتاحة لجمع التبرعات.

  • الاستقطاعات الشهرية: حيث يتم دعوة الراغبين في دعم الجمعية إلى تخصيص مبالغ معينة من رواتبهم يتم اقتطاعها شهريا من الراتب مباشرة، وتحويلها إلى الجمعية.

  • الحملات البريدية: التي يتم بواسطتها توجيه رسائل متضمنة قسائم يتم تعبئتها ويرفق بها الدعم الذي يقدمه الفرد في حالة رغبته في تقديم الدعم أو التبرع.

  • الحملات الإعلامية للدعوة إلى دعم الجمعية ، وذلك عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

  • حصالة الخير وتوضع في الأسواق أو المدارس، وتستهدف جمع التبرعات من الراغبين في ذلك، الذي يدعو المواطنين إلى الإسهام يوميا بدينار على أساس أن الدينار هو أصغر فئة في العملة الجزائرية.

  • ترويج الاسم: ويتم ذلك بالاتفاق مع المؤسسات التجارية أو الصناعية بحيث يتم الإشارة إلى الجمعية، وان جزءا من مبيعات هذه المؤسسة سوف يخصص للعمل الخيري (لجأ مسير المتعامل للهاتف النقال “جيزي” إلى الجمعية لما انتشر خبر دعمها لحملة التنصير في مصر والعالم العربي).

  • طابع الخير والكوبونات التي تقوم بطباعتها الجمعية وتعمل على تسويتها لصالحها لتعرف برجالاتها ورموزها.

مع الملاحظة: إن هذه الوسائل ليست هي كل الوسائل المتاحة لجمع التبرعات.

كم المقدار الذي ينبغي أن يطلب من المتبرع؟

  إنه لمن المستحيل أن تحدد كم تريد أن يعطي المتبرع لحالة من الحالات، ولكنه لمن المحبذ أن تضرب مثالا لحجم التبرعات الممكنة بالخصوص فإن المتبرع لا يعرف كم عليه أن يدفع، حاول أن تضع قائمة للحاجيات.

  يا أهل الإيمان ألا يشعل الغيرة في قلوبكم عندما تسمعون كما نشر في وسائل الأعلام أن بيل غيتس (إمبراطور الكمبيوتر) يعتزم التبرع بـ 100 مليار دولار للأعمال الخيرية وهو على غير الملة فكيف بنا ونحن المسلمون والبذل في سبيل الدين واسع ولو كان بالقليل من المال.

  • روى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل جبل أو أعظم” .

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى