مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
حدث وتعليق

فتح المدارس والجامعات وفتح العقول! أ.د عمار طالبي

images-11 أ.د عمار طالبي

  فتحت المدارس الأسبوع الماضي، وتفتح الجامعات ومراكز البحوث، فما القصد من هذا الفتح، وما الغاية منه؟

  إن الغاية من إقبال الملايين من التلاميذ والطلاب، ومن مربيهم المعلمين والأساتذة الذين يعدون بالآلاف، وما يتبع ذلك من الميزانيات للتجهيز والتسيير والمرتبات، الغاية من ذلك كله فيما اعتقد هي فتح العقول وتنميتها وصقلها، لتتهيأ للبحث والإبداع، وفتح الوجدان والذوق، وغرس مقومات الذات والذوق، وغرس مقومات الذات أو الهوية والثقافة في النفوس، فالمدارس والجامعات إنما هي مصانع لتكوين الباحثين الذين أعدوا إعدادا علميا منهجيا واضحا، وفتحت عقولهم على طرق التفكير ومناهجه، ليتمكنوا من مشاهدات ما حولهم من ظواهر الطبيعة، وافتراض الفروض النظرية وتجربتها في الواقع للانتهاء إلى قوانين علمية وحقائق مجردة، باستعمال الأداة المهمة وهي الرياضيات.

  إن الغاية من التربية هي تحبيب العلم وفهم جوهره ودلالته العميقة، ولذا فإنه من الضروري مراجعة البرامج، لتستجيب لهذه الغاية، والتغلب على ما تعودناه، من مقاومة ما هو جديد، وعناد اللوبي الذي يخضع لما تعود عليه لا يحيد عنه.

  فعلى هذا يتوقف مستقبل العلم في بلادنا، بل مستقبل وطننا نفسه، فقد تكون هذه العادات الراسخة حجابا يمنع الإنسان من رؤية الواقع وآفاق المستقبل، فإن فلسفة التكوين العلمي عندنا قد صيغت في وقت تجاوزته الأحداث يجب أن تعطى فرصة للتلاميذ لمشاهدة الطبيعة والحيوانات والأسماك والأنهار والبحار والصخور والجبال والصحاري والنخيل.

  وينبغي أن يكون أساس التعليم الفيزياء والبيولوجيا، وقلب المسيرة العلمية إنما هي المشاهدة والنظر في المحسوس على المجرد، وبدون دعم النظري فالملاحظة لا تساوي شيئا ولا معنى لها، نشاهد ما نبحث عن مشاهدته، ومن هنا نكشف الغنى، أي الاكتشاف الذي لم يكن منتظرا، والنظري لا معنى له إن لم يمر إلى اختبار الواقع المشاهد بالتجربة.

  إن العلم هو هذه المادة التي تبحث لمعرفة وفك رموز الطبيعية وفهمها، إنه المنهج، وبحث الواقع، وفهم طريقة التفكير والاستدلال.

  ونحن نشعر بعدم تكييف التكوين العلمي مع حاجات التكوين العقلي لشبابنا، أن نشرح لشبابنا كيف وصل العالم إلى وضع قانون سقوط الأجسام وهو الاكتشاف الذي ينسب إلى جاليليو وإن كان يرجع على أوراسم Oresme  من قبله بقرون، فهذا مثال ضروري كي يتصور التلميذ هذا القانون وليس معنى هذا أن نهمل علوم الإنسان، والعلوم المعرفية، فإن العلوم الدقيقة لا تنبت في مجتمع ضحل في ثقافته، وفي ذوقه وحبه للمعرفة.

   إن المجتمعات اليوم تهدف إلى أن تكون مجتمعات ذات اقتصاد المعرفة، ولا يمكن التخلص من التخلف إن لم نحقق هذه الغاية.

  وفي الجامعات لا ينبغي قطع الصلة بين الفلسفة والعلماء وهما زوجان قديمان متلازمان وإن أخذا في الافتراق شيئا فشيئا، فالفلسفة المقطوعة الصلة بالعلم أي بالمعارف المعاصرة عن الطبيعة ودراسة وظيفة المخ وما إليه من مسألة فلسفة النفس أو العقل Philosophie of mind  فلا تكون إلا تكرارا مملا لما سيق في تاريخ الفلسفة، ولذلك يجب أن تكون لطالب الفلسفة شهادة في العلوم، وكذلك العلم فإنه ذو صلة بالفلسفة لمن أراد أن يتعمق في أسس العلم ومعنى العالم والإنسان وإلا وقعنا في العلماوية scientisme والزعم بأن العلم يكتفي بذاته، كما زعم هيدجر في أن العلم لا يفكر وقطع صلته بالعلم تماما، محتقرا إياه، وكذلك أتباعه مثل سارتر كما يحتقر بعض علماء الطبيعة العلوم الإنسانية.

  على التلاميذ والطلاب إحضار عقولهم، وعلى المعلمين والأساتذة أن ينبهوا هذه العقول ويعلموها طرق التفكير العلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى