مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

القدس لنا… بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم

271أ.د عبد الرزاق قسوم

  إنّه شعار عزيز رفعناه، فرفضنا. وإنّه حقّ مبين تبنيناه فنبذنا، وهو مطلب ديني مقدّس، آمنا به، فلعننا…

  فالقدس مدينتنا وعاصمتنا ووجهتنا السياسية والدينية، التي ظللنا –عبثًا- نفاوضُ العدّو من أجلها، فهوّدها، وأذّلنا.

 والحرم المقدسي قبلتنا الأولى التي إليها صلينا، فصارت اليوم بسبب تفرّقنا، وتخاذلنا، وضعفنا، مرتعًا للغاصبين، وقبلةً للصهاينة المستوطنين.

  فهل أتَتْكَ الأخبار، يا قارئي العزيز أنّ الصهاينة المستوطنين الغاصبين قد حطموا مشاعرنا، ولوثوا عرصات مسجدنا، فصار لهم موطئ قدم في حرمنا، وهم يمرحون ويرتعون، بحكم “الجائر من القانون”.

استأسد الجبناء الصهاينة –إذن- بعد أن كانوا “الخراف الضائعة الوديعة” واستنوق الأسود العرب، بعد أن كانوا “أسد الله المنيعة”. فصار لهم في الحرم المقدسي، وفي قبّة الصخرة، موطئ قدم، يقسّمون المسجد الحرام بينهم، وبين المسلمين، فحرّموا على المسلمين دخول المسجد من السّابعة والنصف صباحًا إلى الحادية عشر صباحًا، ومن يدخله من المسلمين يُعتقَل، ويُمنع من دخول المسجد مستقبلاً. وبطُلَ الرِّباط، وشُرِّدَ المرابِطون “ولا من شاف، ولا من درى؟”!.

  إنّ العدوان، على بيت الله، أخطر من العداون على بيوت الأشخاص، غير أنّ الصهاينة المعتَدين لا يرقبون في بيت الله ولا في بيوت عباد الله إلاً ولا ذّمة، ما داموا لا يخشون، مداومة ولا يتوّقعون مقاومة.

  إنّ المسلمين –وامعتصماه- مشغولون، عن بيت المقدس، ببيوت صنعاء، وسيناء، والفيحاء، وسامراء. فكلّ الأسلحة بمختلف، أنواعها الخطيرة، تصوّب لتهديد الجزائر، والجزيرة، والبحرين، والبحيرة، وإلاّ فما جدوى التقاتل في ليبيا، بين فجر عنتر، وعسكر حفتر؟ وما يقوم به –في تونس- جبل الشعباني، وفي أفغانستان، جيوش الطالبان؟.

وهل من حسن التسييس فتح سفارة لإسرائيل المغتصبة في دولة السيسي؟.

  إنّه والله، للمنكر الذي لا يجبر، وإنّها للفواحش التي يأتيها من يسّمون بالدواعش، بينما أشدّ المنكرات، وأفدح الفواحش ما يقوم به الصهاينة، على مرأى ومسمع من العرب والمسلمين، ومن عرب الشتات، ومن شباب دولة الشّام والعراق، والمتقاتلون في سوريا، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي مصر، من الإخوة والرّفاق.

  هذه، هي الصورة العربية الإسلامية السوداوية القاتمة، التي تُلوِّن واقع أمّتنا، فتكشف عوراتنا، وتُبدِّد طاقاتنا، وتنسفُ ما بقيَ من مقوّماتنا، ومقاوماتنا.

فما العمل؟ هل نرفع الرّاية البيضاء أمام أعدائنا؟ هل نستسلم للمعتدين على حرماتنا؟ هل نسَّلم اليوم بيت المقدس وغدًا، لا قدر الله، الحرم المكّي، والحرم المدني؟.

  هل يجوز لنا أن نمثّل دور “الخنافس على الطنافس” على حدِ تعبير إمامنا محمد البشير الإبراهيمي؟ ويسلم مقدّساتنا “التاعس للناعس” على حدّ تعبير المثل الجزائري؟.

  معاذ الله! فالعرب والمسلمون، أمّة وهب الله لها ما وهب، طاقة إنسانية لا تقدر، وخزائن من فوق وتحت الأرض لا تتصوّر؟.

  إنّ نقطة الضعف عندنا هي هذا الشتات الذي مزّقنا، وهذا الفساد الذي بدّدنا، وهذا الاستبداد بالرّأي الذي عدّدنا فأضحينا في ضعف بعد قوّة، وفي شتات بعد وحدة، وفي ذلّة بعد عزّة.

  بينما الحقيقة، هي أنّنا لو توّحدت كلمتنا على تحرير أرضنا من الغاصبين، وتوجيه أسلحتنا نحو المحتلّين، وإتباع أحكام ديننا، بفهم، وعن قناعة ويقين، لو تمّ لنا هذا لقدنا العالم بحكمةٍ، ولسدنا بحنكةٍ، ولجنّبنا شعوبنا كلّ محنةٍ وكلّ وعكة.

  فإن لم يوّحدنا الدّين، الذي هو أعظم حافز لنا، وإن لم توقظنا المصلحة الوطنية العليا، التي يجب أن تكون خير ملهِم، فلتوّحدنا عدوانية المحتّلين، وعجرفة الغاصبين، ومحاولات إذلال الأعداءِ الحاقدين المتّربصين.

  ليس هناك أسهل من استعادة هيبتنا، إن نحن استعدنا وعينا، فندرك ما نملك من مقدرات، ونشعر بما عندنا من طاقات ومدّخرات، هلا صمنا عن اللّحم يومًا، من أجل القدس والمقدّسات؟ هلاَ قدّمنا زكاة أغنيائنا لتجّار القدس، ومواطنيه، لتثبيتهم أمام المستوطنين، للحفاظ على أملاكهم وتجارتهم! هلاَّ خصصنا وقفة تضامنية في وقت واحد وعبر كامل أرجاءِ أمّتنا، نجدّد فيه العزم على اقتلاع نبت صهيون، وتثبيت حقّنا الذي نحن به مؤمنون وموقنون! هلاَّ قطعنا كلّ العلاقات، وقاطعنا كلّ المنتوجات الصهيونية، والقضاءِ على كلّ أنواع التطبيع ما ظهر وما بطن؟ إنّنا لو فعلنا هذا لأخرَجنا المعتدِين ليس من باحة المسجد المقدّسي فحسب، بل ومن كامل أرجاءِ الأرض المحتلّة.

  إنّ الطريق إلى القدس وإلى فلسطين –يا إخوتي- درب سهل، محفوف بالأشواك والعقبات، ولكن إذا أردنا أن تصبحَ القدس لنا وحدنا، لا يشارِكنا فيها أحد، كما هو حقّنا الشّرعي، فعلينا أن نعيدَ النظر في كلّ سياساتنا، وسلوكياتنا، ومعاملاتنا، فمن طلبَ القدس لم يغله المهر…

  ويمينا –لإبرة فيه- أنّه من دون الشرعية ولوازمها، ومقوّماتها لن تعود القدس، بل وتوشك باقي حرماتنا، ومحرّماتنا ووحدة أراضينا أن تؤول إلى ما آلت إليه فلسطين، ويومئذ يعضّ الظالم على يديه، ولاة ساعة مندم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى