كلمة الرئيس
حيّ على العمل! وأيّ عمل؟ بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم
[ديوان بدوي الجبل – ص 66]بعد أن انكسرت حرارة فصل الصيف، وضعف نجم شمسه فأفل، ولاح هلال الدخول الاجتماعي، بالاستهلال، واستهل، وفتحت أبواب المدارس، وتحركت في الحقول مناجل وجرّارات المغارس.
أذّن، مؤذّن الأمل، أن حي على العمل، ولكن أي عمل؟ نفض الجميع عنهم غبار النوم والكسل، وانضووا تحت لواء النهوض، والتقييم والتقويم، وضبط عدسات المستقبل لتحديد المخططات بأجل.
في هذا المناخ الطبيعي، والاجتماعي المتميز، تنادى أبناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى القطب الجامعي، بمدينة القليعة المنيعة، لعقد الجامعة الصيفية العالية الرفيعة.
وفي جو، احتضنته الطبيعة الريفية بكل أنواع جمالها، ولفه دفء الاستقبال الإنساني الحميم، بمختلف أطياف وده، انكب العلماء، والخبراء، على دراسة معالم المستقبل المؤسساتي الفعال، بروح المنهجية والموضوعية، المطبوعة بطابع الخلق المتعال.
كان لابد لأبناء الجمعية، وعيا منهم بالدور المنوط بهم، الذي تعلقه الأمة عليهم، وفي ضوء التحديات المتصاعدة والمتلاحقة، كان عليهم –إذن- أن يتحاوروا، في هدوء وحب، ومسؤولية، لرسم الغد الواعد. وقد نجحوا –من خلال ورشات خمس- ضمت الخبراء، والعلماء، في الخروج بتصور واعد، حدد مسؤولية كل عامل في الحقل الجمعوي، وأزال الغموض الذي كان سائداً في تداخل الصلاحيات، واللامبالاة، وانعدام الفعاليات.
هكذا –إذن- جاءت نتائج الجامعة الصيفية في طبعتها الثانية، المطبوعة بطبعة جمعية العلماء، جاءت هذه النتائج لتجيب عن مجموعة من التساؤلات المطروحة في الساحة، لعل أبرزها:
ما جدوى وجود جمعية العلماء اليوم؟ وهل يتمثل وجودها، في مجرد الانتماء، وحمل بطاقة الاقتداء، ثم الانزواء بعيداً عن الميدان الوطني، وعن كل الأضواء؟
هل يكمن وجود الجمعية، في مجرد إصدار بيانات التنديد أو التأييد، في وسط تعج ساحته بالغليان، في كل ميدان؟
ما علاقة تنظيم الجمعية، بمنهجية التنظيم الناجح، الذي يتسم بضبط الهياكل، وتحديد البرامج، والسهر على وضع المحاضر، وربط الصلات –صعوداً ونزولاً- بين الشُّعب الولائية والبلدية، والقيادة الوطنية؟
ما مدى مصداقية الحضور الجمعوي للجمعية في المجال التربوي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي، سواء على الصعيد المحلي، أو الإقليمي أو الوطني؟
هل نجحت جمعية العلماء في استقطاب القوى الحية الفاعلة في المجتمع، كالنساء، والشباب، والأطفال، ورجال الأعمال، ومختلف الكفاءات العلمية وذوي الخبرة المهنية والعلمية والتكنولوجية؟ هل استطاعت الجمعية أن تتغلغل في الجامعة، وأن تدخل الملعب، وأن تتكفل بانشغالات المرأة، وأن تكون فاعلة في المسجد، والنادي، والديوان السياسي؟
أسئلة مشروعة، ما فتئ يطرحها البعض –عن حسن أو سوء نية- في الحقل الوطني، ولا مجال للإجابة عنها إلا بالفعل الذي يفوق القول.
تلك كانت، الروح التي سادت الجامعة الصيفية في طبعتها الثانية، فواجهت التحدي بالتصدي القائم على المنهجية العلمية، والواقعية الوطنية، والوسطية الدينية، فحسست الجميع بوجوب التغيير البنّاء، وبعثت الجميع في رحلة جديدة إلى الحياة، ديدنها أداتية الغربال، والمصفاة، بحيث يسقط الساقط ويبقى الصالح والصافي.
فإذا كانت الجمعية، قد نجحت خلال سنواتها الماضية، في تعبئة طاقات ذات إخلاص وكفاءة هي التي حفظت للجمعية وجهها، وضمنت لها هياكلها، وحققت ما أمكن من انجازاتها، فإنها بالمقابل، قد كشفت، بثقل مهامها، صعوبة أدائها، عن إعاقة البعض عن مواكبة متطلبات الجمعية وما أكثرها، فحبسهم حابس التفعيل، وبقوا معلقين في السبيل، ومذبذبين بين الاستفاقة والإعاقة.
لذلك جاءت توصيات ورشات الجامعة الصيفية لتدق ناقوس التنبيه، فتوقظ البعض من سباتهم، وتزيد البعض من تعبئتهم وجهادهم.
فحي على العمل! ولكن أي عمل؟
فيا إخوتنا، من أبناء وبنات جمعية العلماء!
إن النضال داخل الجمعية، ليس لقباً يكتسب، ولا بطاقة يستظهر بها، ولا حضوراً لندوة، أو اجتماع. إن العمل داخل الجمعية يتطلب استعدادا نفسياً خاصاً، يقوم –أولاً- على القناعة بمبادئ جمعية العلماء، والالتزام بمنهجها الوسطي، المعتدل، المتفتح والمتسامح، والعمل اليومي الذؤوب لنشر وتثبيت أعمال الجمعية في قلوب وعقول ذوي القابلية لها، وإقناع المشككين في رسالتها، والجاهلين بحقيقتها، بالكلمة الطيبة، والسلوك القويم، والمثالية الأخلاقية المطلوبة.
فحي على العمل! ولكن العمل الذي يتطلب بذل الغالي والنفيس، أسوة بالماهدين الأولين من علمائنا، الذين كانوا يجوبون الجبال، والأودية، ويقطعون الفيافي سيراً، أو ركوباً على الحيوانات لإيصال كلام الله، وشعار الوطن باسم الجمعية.
كما أن على العاملين في عمل جمعية العلماء أن ينخرطوا، في المنظومة العلمية التكنولوجية المعاصرة، بحيث يخضعوا وسائل التكنولوجيا للعمل الدعوي، فيكونوا حلقة وصل فاعلة، بين طموحات ومطالب، وآمال الجماهير الشعبية، وبين السلطة، لرأب الصدع، وملإ الهوة، وإزالة القطيعة، والذوبان في معزوفة الوطن الصحيحة، والمنظومة الدينية الفصيحة، لنصنع المجتمع الجزائري، المتوازن، المتكامل، الذي يطبعه الحب، والتسامح، فلا يضيق بالاختلاف، ويقوم بدور الاستئناف في العمل الحضاري المنشود.
وأختم بما قاله الشاعر اللبناني بدوي الجبل:
ويارب صن بالحب قومي مؤلفاً شتات قلوب، لا شتات دروب
ويا رب، لا تقبل صفاء، بشاشة إذا لم يصاحبهــــا، صفاء قلوب