تحاليل وآراء
الأزمة الاقتصادية والمخرج منها بقلم أ. نـور الديـن رزيـق
يقوم هذا النظام العالمي أساسا على مبادئ المذهب الحر في البلاد الرأسمالية وعلى مبادئ “كارل ماركس ولينين” في البلاد الشيوعية، ومن ميزة هذا النظام العالمي تقديس المادة والتكالب على استهلاكها بكافة الوسائل الممكنة، اختلال التوازن في الإنسان فكرا وسلوكا ونتيجة الاهتمام بأحد جزأيه المادي وإهمال الجزء الثاني الروحي كما يلاحظ انعدام الشعور بالراحة النفسية والسعادة الحقيقية بالرغم من توافر الحاجات المادية، وكنتيجة مستخلصة من التطبيق الميداني لهذا النظام ظهور أزمات رهيبة تهدد الأمن الداخلي والسلام العالمي بالانهيار إذا استمرت دون علاج – وأن أشد هذه الأزمات خطرا على العالم كله أزمة الغذاء – أزمة الطاقة – أزمة التضخم – أزمة البطالة – أزمة النقد – أزمة تلوث البيئة..وفوق هذا كله الأزمة الروحية. تلقي الدول الصناعية باللوم على ثلاثة أسباب رئيسة لهذه المشكلات هي:
ارتفاع أسعار البترول.
تراكم الأرصدة النقدية العربية.
زيادة سكان العالم.
1- ارتفــاع أسعــار البتــرول:
فأقول: يرجع كثير من الكتاب في العالم العربي السبب في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة إلى ارتفاع أسعار البترول.
هل هذا حقا هو السبب؟!
– حسب الدراسات تبين أن جذور التضخم في العالم الغربي تمتد إلى الفترة السابقة على ارتفاع أسعار البترول.
– وفي دراسة لجريدة لموند الفرنسية أكدت أن نصيب البلاد المستهلكة للبترول في صورة ضرائب مفروضة على المنتوجات البترولية قدر بنحو 66,66 % من ثمن برميل البترول المكرر. تعود كإيراد على الدول الغربية.
– إذا كان ارتفاع أسعار البترول هو السبب في التضخم المشاهد فمن المفروض ألا يزيد معدل التضخم على معدل ارتفاع أسعار البترول.
– أما العجز الذي تحقق في موازين مدفوعات الدول النامية المستوردة للبترول هو نتيجة انخفاض قيمة صادراتها بالنسبة إلى إيراداتها من الدول الصناعية. وبالإضافة إلى ذلك فقد ساقت دول الأوبك الحجة على أن من خسارة جدية قد لحقت بأغلبية الدول النامية المستوردة للبترول، فإن هذه الدول (الأوبك) قد عوضت عن طريق المساعدات بأكثر من الزيادة الناجمة عن إيراداتها البترولية بأسعار أعلى.
– مما سبق دّل على ضعف حجة القائلين بأن ارتفاع أسعار البترول شكل أزمات ومشاكل في التضخم والبطالة وكذا أزمة الديون العالمية اليوم.
2– تراكـــم الأرصــدة النقديــة العربيـــة:
كعامل ثان يفسر به المشكلات الاقتصادية المعاصرة وخاصة عدم الاستقرار النقدي.
والحقيقة التي تنشرها المؤسسات المالية والنقدية العالمية تبين:
– أن الأرصدة العربية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مجموع الاحتياطات العالمية، وأن النسبة الكبرى تمتلكها الدول الصناعية.
– فالدخل الكلي للعالم العربي من البترول أقل بكثير مما تصرفه الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي على ميزانية التسليح مثلا.
وأقل مما تستفيده الدول الغربية من البترول العربي ممثلا في الضرائب وأرباح النقل والتوزيع.
– وعلاوة على ذلك فإن نسبة كبيرة من الأرصدة النقدية العربية قد قام صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية والنقدية العالمية بتدويرها وإعادتها في دعم اقتصاديات الدول النامية.
– هذه حقائق وحقائق أخرى تنفي شبهة التسبب في عدم الاستقرار النقدي.
3– زيــــادة سكـــان العالــــم:
يذكر في المحافل الدولية وبشكل متزايد كمسبب للأزمات الاقتصادية المعاصرة ويعني بذلك زيادة سكان العالم الثالث بما فيه العالم العربي والإسلامي.
ويطالب في كل مرة إلى العمل على خفض معدلات الزيادة السكانية في العالم المتخلف حيث يرتبط بالطلب على زيادة المواد الغذائية مما يسبب أزمات لدى هذه الدول حسب نظريتهم وحسب زعمهم.
والشيء المعلوم لديهم هو أن الدول ذات معدلات السكانية العالمية ليس أمامها مانع من تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبير (الصين كمثال)، وليس بالضرورة أن الدول ذات معدلات سكانية تقارب الصفر تصل إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي عالي ولكن لهذه المشكلات أسباب أخرى يراها الفكر الإسلامي على أنها موضوعية عبرت عنها المصادر التشريعية واستخلصها العلماء والمفكرين المسلمين.
الأسبـــــــاب الحقيقيـــة في المنظـــور الإسلامــــي:
1– مجتمـــع الاستهـــلاك والتبذيـــــر:
كما أن للإنسان عمر ومدة زمنية يعيشها فكذلك إن للسلعة المنتج مدة وعمر اقتصادي. وأن المجتمعات التي تربي أفرادها على تغيير السلع المعمرة مرة كل سنتين أو ثلاث في حين أن أعمارها الاقتصادية تفوق ذلك بكثير.
تدرج ضمن مجتمع الاستهلاك والتبذير والتي يراها البعض من الأسباب الرئيسية لتكوين المشكلات الاقتصادية المعاصرة. ويدرج ضمنها كذلك المطالبة بتخفيض ساعات العمل باستمرار في بعض هذه الدول إلى أقل من 30 ساعة في الأسبوع مثلا.
مما سبب ارتفاع معدلات الاستهلاك بالنسبة إلى معدلات الدخل القومي وأدى هذا إلى ارتفاع في معدلات التضخم.
وهكذا نلاحظ أن الأسباب التي أدت إلى تبذير الموارد الاقتصادية هي تلك العادات السلوكية السابقة الذكر.
والشيء الملاحظ هو أن المجتمعات الإسلامية أصابها هذا الحمى وهذا السلوك الشنيع المذّل لكرامة الإنسان والمحطم لنفسيته.
2– ازديــــاد الإنفــــاق الحكومــــي:
إن ازدياد الإنفاق الحكومي أحد المسببات الرئيسية لبروز ظاهرة التضخم وليس هذا بجديد على الاقتصاديين، حيث يرتبط هذا التزايد بتزايد الإنفاق العسكري.
كما أن توسيع ملكية الدولة له نصيب في هذا الإطار.
وهذا أمر يشير إلى ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي، كإجراء ضروري للحد من معدلات التضخم، حيث أن ظاهرة التضخم كلما ارتفعت نسبتها كلما ظهر شبح البطالة وانخفض حجم الصادرات واختل التوازن التجاري وانكمشت العملات ولجأت الدول إلى خفضها في محاولة لحفظ توازن ميزان مدفوعاتها وهكذا.
ونجد أن هناك تفطن لدى الكتلة الشرقية سابقا (الدول الشيوعية والاشتراكية) إلى هذا العامل فلجأت إلى تقليص والتقليل والحد من ملكية الدول.
3– الاقتـــراض وزيـــادة معدلاتـــه:
إن النظام الربوي على مستوى المؤسسات النقدية والمالية العالمية طغى وكانت نتائج هذا الطغيان ما وصلت إليه اليوم دول العالم وبالخصوص دول العالم النامية، بل قد أثبتت الدراسات العلمية أن الاعتماد على مثل هذه القروض الربوية في تمويل اقتصاديات الدول النامية كان سببا رئيسيا في بروز ظاهرة التخلف خاصة وأن الدول قد استثمرت هذه الأموال في مشروعات غير منتجة أو قد تستثمر في قطاعات منتجة ولكن أعباء هذه القروض يفوق إنتاجها.
إن تمويل التنمية الاقتصادية اعتمادا على القروض الربوية يؤدي لا محال إلى التخلف وهذا شيء ملحوظ (ملاحظ) من خلال الدراسات العلمية والبحوث الاقتصادية، حيث نقلت لنا هذه الأخيرة كيف أن بعض الدول الغربية (ألمانيا مثلا) اعتمدت في تمويلها للتنمية الاقتصادية على المتاحات والإمكانيات الداخلية سواء منها المالية أو المادية اعتمادا على سياسة تقشفية وكيف وصلت إلى ما تصبو إليه بينما الدول المتخلفة (أندونسيا مثلا) اعتمدت على التمويل الخارجي (قروض ربوية) حيث زادتها تخلفا وفقرا.
4– الفـــــراغ الروحـــــي:
أهم هذه الأسباب في نظرنا نحن المسلمين وأخطر الأزمات التي يمر بها الإنسان في العالم العربي، لأنها مشكلة كل إنسان على وجه الأرض بينما باقي الأزمات فهي تخص البعض دون الآخر.
ولهذا فإن الفراغ الروحي يسبب ضعف الروابط وفساد الصلات وانقطاع العلاقات وضياع الثقة بين الناس ويقضي على القيم الإنسانية، فلا يسود في هذا المجتمع إلا الأناني الذي لا يتصرف إلا لمصلحته الشخصية دون مراعاة مصالح الآخرين والجشع الذي يرفع الأسعار ليثري على حساب المستهلكين، والذي يأكل فوق نصيبه نصيب الجائعين، والرأسمالي الذي يستغل العاملين وكل ظالم ينعم على حساب الكادحين وبذلك كله تسوء العلاقة بين العامل ورب العمل ويهبط الإنتاج كما ونوعا، وترتفع الأسعار ويتحكم الغلاء وتضعف القوة الشرائية، وتبدأ الأزمات الاقتصادية كلها في الظهور وأهمها وأخطرها أزمة في حد ذاته وأشدها خطرا على الفرد والجماعة والعالم كله.
وعليه فقد راع النظام الإسلامي في هذا الجانب وأعطى الأهمية القصوى من أجل تكريم وحفظ هذا الإنسان في حياة هنيئة وسعيدة.