مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
البصائرمقالات مختارة

وقفات بعد شهر الخير والبركات بقلم الشيخ يوسف جمعة سلامة

 téléchargement (1)

  الحمد  لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على  سيدنا محمد  – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين … وبعد،،،

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (1).

  جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة : [{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } أي لا تُمِلْها عن الحق ولا تضلّنا { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أي بعد أن هديتنا إلى دينك القويم وشرعك المستقيم { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي امنحنا من فضلك وكرمك رحمةً تثبتنا بها على دينك الحق { إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} أي أنت يا رب المتفضل على عبادك بالعطاء والإحسان] (2 ) .

  وأخرج الإمام الترمذي في سننه عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:  يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أصْبعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ) (3).

كما رُوي عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ، قَالَ:  حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: ( قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَكْثَرَ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أصْبعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ، فَتَلا مُعَاذٌ : رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا )(4 ).  

   وَدَّعنا قبل أيام ضيفنا الكريم شهر رمضان بعد أن مرَّ بنا سريعاً، مر َّبخيراته وبركاته ، مضى من أعمارنا وهو شاهدٌ لنا أو علينا ، شاهدٌ للمُجِدّ بصيامه وقيامه، وعلى المُقَصِّر بغفلته وإعراضه، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرّق الجماعات، فسلام الله على شهر الصيام والقيام .

حال المسلمين بعد رمضان

  منذ أيام غادرنا شهر رمضان، شهر القرآن والإيمان ، فودعه المؤمنون بقلوب يملؤها الحزن العميق، ونفوسٍ يعتصرها الألم على فقده وفراقه وبعده ، والمؤمنون يتمنون أن يكون رمضان العام كلّه ، لما يعلمون فيه من الخير والبركة، وغفران الذنوب والرحمة ، وصلاح القلب والأعمال.

  لقد مضى هذا الشهر المبارك،  وَسُنَّةُ الله تعالى في هذه الحياة الدنيا تعاقب الليل والنهار، وهكذا الحياة شهر يعقبه شهر ، وعام يخلفه عام كما جاء في قوله سبحانه وتعالى : {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} (5)، وهذه الأيام تتوالى علينا ، كما قال الشاعر :

تَمُـرُّ بنا الأيام تَتْرى وإنما             نُسَاقُ إلى الآجال والعين تنظر

فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى        ولا زائلٌ هذا المشيب المكَـدر

  إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة ، فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإن المؤمن لن ينقطع عن عبادة الصيام ، وإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه ، ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات النوافل مفتوحة طيلة العام ، ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسَّرٌ طيلة العام  ، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة .

  إن آخر يوم من رمضان يعقبه أول يوم من أشهر الحج! وهذا معناه أننا نخرج من فريضة الصوم لندخل في فريضة الحج ، فنحن ننتقل من عبادة إلى عبادة ، وإن شئتَ فقل : نتقلب في العبادات ، وذلك علامة واضحة على عبوديتنا الكاملة لله عز وجل، وهو أمر يحتاج إلى تدبر وتفكر!

نصائح للأخوة المسلمين

  لقد اعتاد كثير من المسلمين أن يَلْزَموا جانب التقوى في شهر رمضان المبارك، ويرتدعوا عن المعاصي والآثام ، ويواظبوا على الصلاة وشهود الجماعات ، ولكنّ هذه الظاهرة الإيمانية وللأسف تنعدم وتتلاشى عند البعض بمجرد انقضاء هذا الشهر المبارك ، فقد ورد أن بعض الصالحين سُئِلَ عن رأيه فيمن يتعبدون في شهر رمضان ثم يعودون بعده إلى العصيان ؟ فقال : هم بئس القوم ، لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان ، وذلك دليل على انطماس البصيرة واستحكام الغفلة في قلوبهم وجهلهم بعذاب الله، وأمنهم مَكْرَه ولا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون .

  لذلك فإننا ننصح أحباءنا وإخوتنا إلى ضرورة الابتعاد عن الأخطاء المنتشرة بين  بعض المسلمين بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، ومنها:-

   هجر تلاوة القرآن الكريم، حيثُ كنَّا نتسابق في الإكثار من قراءة القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك ، لذلك يجب علينا المواظبة على  قراءة القرآن الكريم وَتَدَبُّره ؛ لأنه حبل الله المتين  وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم.

  ترك الصلاة ومعاودة المعاصي بعد رمضان، فهذا لا يجوز، فالمسلم يجب أن يكون ربانياً وليس رمضانياً، وعبادة الله واجبة في كل وقت ,{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(6)، فالواجب علينا أن نواظب على طاعة الله ورسوله في كل وقت ، فإن الله يحب من العمل أدومه وإنْ قَلَّ، فإياك يا أخي أن تنقطع عن العبادة بعد رمضان، فهذا ما لا ينبغي، أما أن يكون لك في رمضان حظٌ من العبادة والتلاوة، ثم بعد ذلك تهجر العبادة والمصحف إلى رمضان القادم، فهذا ما لا يليق بمسلم.

– هجر المساجد بعد رمضان، فهذا خطأ كبير ، فَرَبُّ رمضان هو رَبُّ شوال ، ومن المؤسف أن يحصل عقب رمضان لكثير من المسلمين ضعفٌ في الخير وَشُغْلٌ عن الطاعة وانصرافٌ للَّعب والراحة، فلقد وهنت الهمم وفترت العزائم وقلّ رُوّاد المساجد، وليعلم الجميع بأن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على رمضان ومواسم الخير فحسب، بل عامة في جميع الأوقاف، لذلك يجب على المسلمين أن يحرصوا على صلاة الجماعة في المساجد في كل زمان ومكان.

–  ترك أعمال الخير والبر وفعل الخيرات  بعد شهر رمضان ، فينبغي عليك أخي المسلم أن تحرص على الاستمرار في أعمال البر والخير وأن تكون دائماً ممن يسارعون إلى الخيرات ويدعون غيرهم إلى ذلك ،ولئن انتهت صدقة الفطر فهناك أبواب كثيرة للصدقة والتطوع، فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان ، ومن المعلوم أن المجتمع الإسلامي مجتمع قوي بتماسك أفراده وتعاونهم على البرّ والتقوى، فالغنيّ يعطف على الفقير والقويّ يساعد الضعيف فهم كالجسد الواحد، لذلك فإننا نُذَكِّر أحباءنا بأنَّ أبواب الخير كثيرة والحمد لله، منها : تبسمك في وجه أخيك صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، واسقاؤك الماء على الماء صدقة ، وإصلاحك بين المتخاصمين صدقة ، ورسم البسمة على الشفاه المحرومة صدقة، ومن أفعال الخير مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف.

نداء لمن قَصَّر في رمضان

نقول لكل من فرّط وقَصَّر أو ضاع منه شهر رمضان : لا تيأسْ من روح الله سبحانه وتعالى ولا تقنط من رحمته ، فربك الغفور ذو الرحمة لكل من تاب إليه وأناب ، فارفع يديك إليه وتضرع بين يديه وأكثر من الاستغفار والدعاء فإن الله غفور لمن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى  .

وعلينا أن نتذكر دائماً قول الله تعالى:{  لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7)، وقوله أيضا: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(8)، فأين هذا من أولئك الذين ينسون الله سائر العام، ولا يذكرونه إلا في شهر رمضان ، ويعصونه ويكفرون نعمه ، ويجحدون فضله أحد عشر شهراً ، ثم يَمُنُّونَ على ربهم أن عبدوه شهراً واحداً ، هذا جهل وتفريط ، جهل بحق الله على عباده ، وتفريط بواجبهم نحوه سبحانه وتعالى.

 تقبل الله منا ومنكم الطاعات،  ونسأله سبحانه وتعالى أن يعيد علينا  شهر رمضان القادم باليمن والخير والبركات، وقد جمع الله شملنا وَوَحَّدَ كلمتنا وألف بين قلوبنا إنه سميع قريب .

نسأل الله أن يتقبل منا الصلاة والصيام والقيام ، وكل عام وأنتم بخير

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

الهوامش:

1-  سورة آل عمران الآية(8)

2- صفوة التفاسير للصابوني 1/185

3-  أخرجه الترمذي

4- أخرجه الترمذي

5- سورة النور الآية (44)

6-سورة الذاريات الآية (56)

7- سورة إبراهيم الآية (7)

8- سورة البقرة الآية (152)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى