أحداث وطنية ومحلية
مواقف ابن باديس في إطفاء الفتن بقلم د. عمار طالبي
من مواقفه التي سجلها في مسألة الآذان في غرداية، وقد سجلها في آثاره ونشر ذلك فيما نشر فيها في كتابنا “ابن باديس حياته وآثاره” لكن أردت اليوم أن أذكر الجزائريين جميعا بموقف حرره في رسالة بعث بها إلى الشيخ عبد القادر القاسمي رحمه الله شيخ زاوية الهامل ببوسعادة، وذلك سنة 1350هـ/1932م يدعوه إلى توقيع بيان حرره دفعا لتفاقم الدعاية الصحفية ضد المزابيين التي كادت تثير فتنة عامة كلها شر للإسلام والمسلمين، قصد بهذا البيان أن يهدئ من حرارة هذه الحملة الصحفية والقضاء عليها في مهدها، فأرسل له نسخة منه ودعاه إلى توقيعها باعتباره عضوا في جمعية العلماء في ذلك العهد.
وهذا نصها:
“الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف خلقه
الجزائر في 20 ربيع الأول سنة 1350هـ
الأخ الشيخ عبد القادر القاسمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد؛
فنظرا لتفاقم مسألة الدعاية الصحفية ضد الميزابيين حتى كادت تثير فتنة عامة كلها شر للإسلام والمسلمين، رأيت أن تنشر جمعية العلماء بيانا للناس تسكن به حرارة هذه الحملة فحررنا البلاغ المرفق بهذا وأرسلنا لكم نسخة منه، أرجوكم وضع إمضائكم أسفلها، وأرسلها لنا بعنواننا المبين أسفله، حتى ننشر ذلك البلاغ باسم جمعية العلماء.
وتفضلوا سيدي الأخ بقبول تحياتي الفائقة وسلامي
أخوكم عبد الحميد بن باديس
الإمضاء
Abd hamid ben badis, 19rue Alexis lamberd, constantine 1
وها هي اليوم تظهر فتنة أخرى رأسها، في وقت نحن الجزائريين في أشد الحاجة إلى الوحدة، والأمن والتنمية، إذ أن هذه الفتنة توغر الصدور وتنشر الحقد والغل بين جماعتين عاشتا طوال قرون معا في منطقة جغرافية واحدة في تجاور وتلاؤم، ولأسباب ليس واضحة لنا الآن، أدت إلى تورط بعض الشباب في القتل واستعمال الأسلحة وإطلاق شعارات كاذبة مثل الخوارج، والعرب، والأمازيغ، والمالكية والإباضية وكلها لا يقصد بها إلا الشر والكيد، وإخفاء أسباب أخرى غير هذا كله.
إذا كانت هناك فجوة بين هذه الشريحة من الشباب وبين الأعيان فلابد أن يدرس الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية كي تبين الأسباب الحقيقية، لأن دراسة الوضع دراسة علمية ضرورة لقطع أسباب هذه الفتنة، وإيجاد التوازن بين المصالح المختلفة بين هذه الجماعات بالعدل وهذه مهمة السلطة ومن بأيديهم مقاليد الأمور الإدارية والاقتصادية والسياسية فلا يظلم أحد، ولا يسمح بالعدوان على مصالح الناس جميعا، ويعطى لكل ذي حق حقه، من المناصب والمسؤوليات، والحقوق الأخرى، ولا تميز جماعة على أخرى في جميع هذه الحقوق، والمناصب، والإسكان، وتوزيع الحقوق بالعدل، فإن ذلك هو العلاج، فإن العروش الموجودة مثلا في القرارة مثل أولاد السائح وسيدي محمد وأولاد نايل، والعطاطشة وغيرهم والعشائر المختلفة من الإباضية المتعايشة المتجاورة لا يجوز لقبيلة أو أخرى أو عشيرة أو أخرى العدوان على الأخريات فالأخوة قبل ما يؤخذ وما يرد، كما قال الشيخ ابن باديس، وينبغي أن ننظر للأمور بنظرة الإسلام الواسعة الذي يجمع، لا بنظرة مذهبية ضيقة وبنظرة المواطنة فنحن مسلمون جزائريون جميعا وطن واحد، وأما بعض الخصوصيات فينبغي احترامها ولا تعارض بينها وبين المشترك العام ثقافيا وتاريخيا واجتماعيا ونسأل الله أن يرشدنا للخير.
ــــــــ
1- محمد فؤاد، وثائق تاريخية، وزارة الثقافة، دار الخليل للنشر والتوزيع 1434/2013 ص208.