مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دوليةحدث وتعليق

مصر إلى أين؟ نظام الانقلاب والتحولات المستحيلة بقلم أ. عبد القادر قلاتي

 

GUELATI

ما يحدث في مصر اليوم من ممارسات سياسية خرقاء لا يمكن أن يعبر عن أي تحولات في بنية الدولة العميقة، وإنمّا هي ممارسات خاطئة تحدث خارج مجال الفعل السياسيّ الواعي والمسؤول، وهي ممارسات معروفة الهدف ومعلومة النوايا، فثقافة الاستبداد لا يمكنها صناعة التحولات الجذرية الحقيقة، ولا يمكنها أن تحول المجتمع والدولة من أخلاق السلب إلى أخلاق الإيجاب، وإلاّ صدقنا مقولة “المستبد العادل”، وأسلمنا مقادتنا إلى هذه الثقافة القاتلة المدمرة، التي ما فتئت تنخر في جسد الأمة منذ أمد بعيد، لا يمكن لنظام انقلابي ينتمي إلى مجال هذا الفكر المريض، أن يدفع بمصر نحو تحول حقيقيّ في إعادة تشكيل بنية الدولة المنهارة، بل كلّ ممارساته ستكون دافعة نحو الانهيار والفشل، نعم النظام السياسي القائم اليوم في مصر، هو نظام إفشال للدولة المصرية ولمقدراتها، والأحداث الجارية هناك تؤكد هذه الحقيقة الواضحة لكلّ ذي بصيرة…

لقد عرفت مصر منذ الانقلاب على الشرعية، أحداثاً خطيرة على المستوى النفسي والشعوري داخل مجتمع ما بعد الثورة، فالمجتمع الذي وطَّن نفسه على التغيير، وطمح إلى نموذج سياسيّ فاعل وحقيقيّ، سرعان ما فقد الثقة في عملية التغيير برمتها، بعد أن شاهد انهيار حلم الدولة الحديثة، التي تحقق له العدالة والاستقرار وتوفر له مطالب الحياة والعيش الكريم، لقد كان تيار الانقلاب شرساً بامتياز وفاقداً لأبسط القيم الأخلاقية، ومتجاوزاً لكلِّ الأعراف الدولية في التعامل مع المخالف، حتى تحولَّت الدولة إلى جماعة من المجرمين الأشرار، منطقهم القتل والسجن والتشريد، والعمالة للعدو، نظام ألغى الحياة السياسية، وخرب الاقتصاد الوطني ودجَّن الثقافة المصرية الرائدة، وانخرط في عملية تخريب لكلَّ ما يقوم عليه المجتمع المصريّ، زرع ثقافة التخوين والتكفير، وقسم المجتمع حتى فيما يبدو مظهراً من مظاهر التدين الأصيل، وأوهن كلّ ما كان يحمل رمزيَّة في المجتمع ويحظى بالقبول، وهو في كلّ ذلك يبحث عن شرعية وهمية، لا يمكنه أن يحقق ولو الجزء البسيط منها، ومع ذلك يصرّ على مواصلة منطق العنف في كل ّ ممارساته، غافلاً عن كلّ ما يعمل على ترميم المجال السياسيّ الذي عرف تشققات رهيبة منذ الانقلاب المشؤوم.

لا يمكننا أن ننسى ما جرى في رابعة العدوية من عدوان، وما جرى في ميدان النهضة، وما تبع ذلك من عمليات إجرام لن ينساها الشعب المصري أبداً، ثمّ العدوان التالي على مؤسسات الدولة التي قزَّمهَا منطق الاستبداد، وصيّرها تابعة له، تنفذ سياساته الرعناء، فالأزهر الشريف الذي يملك رمزية كبيرة في العالم الإسلامي، لم يعد سوى جهاز تابع للسلطة الانقلابية ينشر ويدعو لكلّ ما تراه سياسية الانقلاب صائباً، أما القضاء الذي كان -إلى قُبيل سقوط نظام مبارك- يحافظ على شيء من قيم المهنة العظيمة، فإنه في ظلّ الانقلاب تحوَّل إلى ما يشبه المسرح، حيث يشهد تمثيليات هزلية تضحكنا أحياناً وتبكينا أحياناً أخرى، وما وراء ذلك فخز وعار كبير، أحكام بالإعدام على أشخاص لم يرتكبوا جرائم ولم يمارسوا ظلماً على أحد، قدموا للمحاكمة ظلماً وعدواناً؛ لأنَّهم أرادوا أن يشاركوا في بناء وطنهم، فاختارهم الشعب لقيادة البلاد، فكان هذا مصيرهم، رئيس منتخب من طرف الشعب، يحتجز ثمَّ يحاكم على جرائم لم يرتكبها، وقد ينفذ فيه حكم الإعدام، أليس هذا أكبر انحدار لمبادئ القانون..

منذ أيام فقط قام زبانية النّظام الانقلابي بعملية قتل سافرة، راح ضحيتها 13 مواطنا مصرياً، قتلوا بدم بارد، جنايتهم الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، اتهمهم النّظام -كعادته – بتهم الإرهاب، الذي تحسن أنظمه الاستبداد والشمولية فنونه، ونقلت وسائل الإعلام الفاجرة صور هؤلاء الشهداء، الذين صورتهم على أنهم جماعة إرهابية كانت تخطط لعمليات إجرامية في حق الشعب المصري، وصدّق ذلك من صدّق وكذّب من كذّب، لكن الواقع السياسيّ والاجتماعي المصري ينبئ عن وضع كارثيّ خطير، نهايته انهيار الدولة لا قدر الله، وهو النتيجة الطبيعية لهذه السياسة الرعناء التي ينتهجها النّظام الانقلابي الذي يقف حجر عثرة أمام أيّ تحوّل سياسيّ حقيقيّ، بل ويزيد في تعميق ثقافة الاستبداد والشمولية، وهو ما نرى أنه يستحيل معه مواصلة بناء الدولة التي يحلم بها المصري البسيط، والتي من أجلها خرج ذات يوم معلناً ثورته على نظام مبارك، الذي يبدو أنه رجع أكثر قوة وشراسة مع النّظام الانقلابي الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى