مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

نعمة الحرية المنضبطة ـ الشيخ كمال أبو سنة ـ

Sans-titre2 (1)

الحرية قيمة إنسانية عالية ضحى من أجلها الرجال بأرواحهم الغالية لأن الكثير منهم فهم معناها الحقيقي بعد أن ذاق علقم القهر وأحس سواء بفطرته السليمة أو أدرك بثاقب فكره أو بكليهما معا أن الإنسان المخير خُلق ليعيش حرا لا عبدا لفرد مستبد أو جماعة جبرية أو نظام ديكتاتوري، ورحم الله الخليفة العادل عمر رضي الله عنه القائل:

 “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا“..!

وهذه الكلمة كما قال الشيخ سلمان العودة “لم تعرفها أوربا إلا سنة (1790) تقريبا، أيام الثورة الفرنسية، لما أصبحت شعارا للثورة (الإنسان يولد حرا )، بعد أكثر من (1000 سنة) تعلموا هذا المبدأ وقرروه، واعتبروه فتحا جديدا“..!

والإسلام، وهو الدين الكامل الذي ارتضاه الله لعباده، ثمن قيمة الحرية في الوحيين، ولكنه بالمقابل وضع لها ضوابط حتى لا يعتدي الإنسان باسمها على حقوق خاصة وعامة متعلقة بواقعه لأنه لا يعيش وحده وليست كل التصرفات والممارسات مقبولة إذا مست حقوق الدوائر الثلاث التي تتفرع عنها شُعَب كثيرة :

1- حق الله عز وجل.

2- وحق الناس.

3- وحق النفس.

إن بعض الناس يعتقد بناء على مفاهيم خاطئة وأهواء نفسية أنه يملك الحرية المطلقة في قول ما يشاء وفعل ما يشاء، ويوسع على نفسه في هذا المجال إلى حد أنه لا يضع أمامه أي خط أحمر ينبهه حين يخترق مساحات غيره في الدوائر الثلاث التي ذكرناها من قبل..!

الحرية…أي نعم مقدسة…حين لا يعتدي مريدوها على المقدسات بالقول البذيء، والفعل السافل، وحين لا تتحول إلى ثابت تحطم باسمها كل الثوابت، وحين لا تصبح صنما يتجنى به عابدوه على الإله الحق الذي له الخلق وله الحكم..!

الحرية…مسؤولية…لابد أن تكون منضبطة حتى لا يعيش الناس في فوضى عارمة لا يتقيدون بعرف، ولا يعترفون بقانون، ولا يحترمون دينا…فعقلاء البشرية كلهم متفقون على هذا المعنى الجليل الذي حاول بعض الشّذاذ مخالفته بفلسفة رعناء، إذ يبيعون الأوهام في أسواق النخاسة الفكرية والسياسية، ويناضلون من أجل واقع جديد تأنف حتى الحيوانات من العيش فيه لأنها تعرف بفطرتها أن حركتها مضبوطة وموزونة بنواميس ربانية إن خالفتها وقع اختلال عظيم، فالحرية لها وزن معلوم في الخلق بتقدير سماوي دل عليه النقل، ويدركه العقل، وصدق الرحمن حين قال في سورة الرحمن:

{الرَّحْمَـنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن 1-8]. 

إن الذين ينادون بالحرية المطلقة يسيرون ضد التيار الاجتماعي العام وهم أقلية تريد أن تفرض توجهاتها الغريبة على الأكثرية الراغبة في العيش في إطار النظام الإنساني السليم..!

وأي شبر يكسبه هؤلاء لترسيخ عوائد شاذة عن المجتمعات الإنسانية المحترمة ناهيك عن المجتمعات المسلمة سيُحدِث خللا طبيعيا يدفع الإنسان ثمنه الباهظ من الروح والمادة معا..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى