الثورة الجزائرية لم تعد فقط أحداثا وقيما راسخة في شريط ذكريات الذين صنعوا وقائعها أو الذين عاشوا أحداثها عن قرب أو عن بعد، فالثورة التي نحتفل اليوم بذكراها الستين أصبحت موضوعا للبحث العلمي، ينكب المؤرخون على دراستها باستقدام رموزها واستحضار ملامحها من أجل رسم معالمها وبناء أركانها وتبليغ قيمها الإنسانية. وبما أنني نشرت بحثا في مكان آخر حول تقييم البحث التاريخي في الجزائر حول الثورة التحريرية خلال خمسين عاما (1962-2012)، أقتصر هنا على معالجة الأبحاث الأكاديمية الفرنسية في هذا المجال، آملا أن يقوم باحثون آخرون بدراسة ما كُتب عنها في الجامعات العربية والغربية الأخرى، لتكتمل الصورة فنستفيد مما أنجز، ونخطط لما بقي علينا إنجازه في طريق التعريف بتاريخنا والترويج له بما هو أهل له.
الأجيال الثلاثة
يمكن أن نقسم طبقات المؤرخين الفرنسيين المختصين في تاريخ الثورة الجزائرية إلى 3 أجيال. كان الجيل الأول عاش أحداث الثورة في الجزائر، وعلى رأسهم شارل روبير آجرون (1923-2008) الذي درّس التاريخ في ثانوية الجزائر عدة سنوات تزامنت مع ذروة الثورة الجزائرية ثم التحق بجامعة تور بفرنسا بعد أن تحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون حول: ” فرنسا والجزائريون المسلمون”. أشرف على العديد من الرسائل الجامعية وأسس مدرسة فرنسية في البحث التاريخي المتصل بالجزائر المعاصرة. وألف حول تاريخ الجزائر أكثر من عشرين كتابا ومائة وثلاثين بحثا ومقالا.
وتفرغ الدكتور آجرون تماما منذ عام 1992 لدراسة الوثائق المتعلقة بالثورة الجزائرية المحفوظة في مراكز الأرشيف الفرنسية، فكتب على ضوئها بحوثا أكاديمية في أشهر المجلات التاريخية، التي سنتطرق إليها لاحقا.
روني غاليسو درّس في جامعة الجزائر في فترة السبعينيات. وهو يعمل حاليا أستاذا بجامعة باريس 8. له عدة كتب منها: المغرب العربي-الجزائر: الطبقات والأمة، الجزائر: الالتزامات الاجتماعية والمسألة الوطنية، الجمهورية الفرنسية والأهالي…وغيرها من البحوث المنشورة في الدوريات المعروفة خاصة مجلة “الحركة الاجتماعية”.
جاك فاليت ولد في الجزائر وعاش فيها إلى غاية الاستقلال ثم انتقل إلى فرنسا لتدريس التاريخ الاستعماري في جامعة تور ثم في جامعة بواتييه. ألف عدة كتب وبحوث حول الثورة الجزائرية، من زاوية تختلف عن المؤرخين السابقين الذين لهم توجهات يسارية، بينما فاليت ينتمي إلى التيار اليميني. له عدة مؤلفات منها: حرب الجزائر: دور الجنرال سالون، حرب الجزائر: دور المصاليين، فرنسا وإفريقيا…الخ.
إن جل المؤرخين المنتمين إلى الجيل الثاني ولدوا في فرنسا باستثناء بنيامين ستورا المولود في قسنطينة في 2 ديسمبر 1950. وقد بدأ مساره العلمي بدراسة حياة مصالي الحاج في رسالته التي نال بها دكتوراه الدرجة الثالثة، ثم اختار دور الهجرة في الحركة الوطنية في فرنسا كموضوع لرسالة دكتوراه الدولة التي أنجزها في جامعة باريس 12 بإشراف الأستاذ آجرون. ويعد ستورا اليوم من أغزر الباحثين الفرنسيين في مجال التاريخ بشكل عام وتاريخ الجزائر بشكل أخص، ولهذا السبب أقتصر هنا على ذكر بعض مؤلفاته المتعلقة بموضوعنا، وهي: تاريخ حرب الجزائر، المجندون في الجزائر، مخيالات الحرب: الجزائر-الفيتنام، فرنسا الولايات المتحدة الأمريكية، الحقد والنسيان: ذاكرة حرب الجزائر، وغير ذلك من كتب وبحوث ومقالات وحصص وثائقية.
غوي بيرفيي (1948) اكتشفه الجزائريون من خلال كتابه المعروف: “الطلبة الجزائريون في الجامعة الفرنسية”، والذي كان في الأصل رسالة جامعية أعدها لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة باريس تحت إشراف الأستاذ آجرون. ودرّس برفيي في العديد من الجامعات الفرنسية (ليموج، نيس،بوردو) مستقرا في الأخير في تولوز مستخلفا المؤرخ المعروف في مجال تاريخ الجزائر المعاصر كسافيي ياكونو. ألف برفيي عدة كتب ومعظمها حول الثورة الجزائرية، أذكر منها: اتفاقيات إيفيان، فرنسا في الجزائر، حرب الجزائر: تاريخ وذاكرات، أطلس حرب الجزائر،من أجل تأريخ حرب الجزائر. كما نشر بحوث في العديد من المجلات (العلاقات الدولية، التاريخ، المؤرخون والجغرافيون، القرن العشرون…الخ).
جلبير منيي (1942) درّس في جامعة قسنطينة بعد الاستقلال، وألف العديد من الكتب التي عالجت تاريخ الجزائر. ومن أبرزها: التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني، الجزائر المعاصرة، جبهة التحرير الوطني: وثائق وتاريخ (بالاشتراك مع محمد حربي).كما نشر بحثا نفيسا عن القادة التسعة التاريخيين للثورة الجزائرية من خلال دراسة مذكرات عبد الله بن طوبال المخطوطة.
أشرف جون-شارل جوفري (1949) الأستاذ بجامعة مونبلييه واكس أون-بروفانس على نشر كتاب “الثورة الجزائرية من خلال الوثائق” بداية من عام 1990. ويضم هذا المشروع الكبير الذي تبنته مصلحة تاريخ الجيش البري الفرنسي بفانسان، مختارات من الوثائق التي احتفظت بها في 5 ألاف علبة خاصة بالثورة التحريرية. كما أشرف على نشر يوميات الجنود الفرنسيين الذين عملوا في الجزائر. وهي مهمة جدا لما تتضمنه من معلومات نادرة وخطيرة عن حياتهم العسكرية وانطباعاتهم عن السكان ومجريات الثورة.
أما الجيل الثالث فيمثله المؤرخون الذين ولدوا بعد عام 1968، وتتلمذوا على الجيل الثاني، وأذكر هنا بشكل سريع مثالين، وهما: سيلفي تينو (1969) ورفائيل برونش (1972). اشتغلت تينو حول القضاء الإسلامي خلال الثورة التحريرية، وأنجزت حوله رسالة دكتوراه. وهي تعمل حاليا أستاذة في جامعة السوربون، ونشرت عدة بحوث وكتب حول ممارسة العنف “العادي” في الجزائر. كما تدير حاليا واحدة من أشهر المجلات التاريخية في العالم، وهي مجلة القرن العشرين. أما برونش فإنها ناقشت رسالة دكتوراه حول ممارسة التعذيب في الجزائر خلال الثورة التحريرية. وهي تدرّس اليوم في جامعة روون. أصدرت مجموعة مقالات وكتب منها: الاغتصاب خلال حرب الجزائر، كمين بالسترو (الأخضرية).
رسائل وأطروحات جامعية
ليس من السهل إحصاء كل الرسائل الجامعية -بجميع أنواعها- التي تناولت موضوع الثورة الجزائرية. ويكفي أن أشير إلى كتاب صدر في عام 2012 زعم مؤلفه أنه أحصى 666 رسالة ومذكرة حول هذا الموضوع أنجزت بين 1960 و2011. وللأسف لم نطلع على هذا الكتاب، غير أننا نملك معطيات كثيرة عن أطروحات الدكتوراه، بينما تبقى معلوماتنا قليلة فيما يخص رسائل الماجستير ودبلوم الدراسات المعمقة.
كان الباحثون الجزائريون هم الذين دشنوا الدراسات حول الثورة الجزائرية، حيث قدموا في بداية السبعينات أطروحات في الجامعات الفرنسية، وهم: سليمان الشيخ (غرونوبل، 1975)، محمد تقية (باريس 8، 1976)، ومحمد حربي (باريس 1، 1977). ثم تعقبت الرسائل بخطوات ثقيلة، ولم تعرف نفسا جديدا إلا في الثمانينات مع وصول اليسار إلى الحكم، فظهرت رسائل تناولت مواقف الحكومات أو الأحزاب اليسارية من الثورة الجزائرية، وكانت أغلب الأطروحات نوقشت في جامعة باريس بجميع فروعها.
وإذا كانت مواقف اليسار والكنيسة معروفة بفضل جهود الباحثين الفرنسيين والجزائريين (أنيسة بوعياد، باريس 7، 1985؛ مليكة القرصو، باريس 1، 1985؛ دنيس بامبس، باريس، 1986؛ إيتيان ماكن، رينس، 1990؛ جيل موران، باريس 1، 1992؛ سبيل شابو، تولوز 2، 2002)، فإن مواقف الأحزاب اليمينية والحركات اليمينية المتطرفة لم تحظ بأطروحات دكتوراه مستقلة وشاملة في الجامعة الفرنسية بين 1960 و2013.
وظهرت أطروحات في التاريخ المحلي في السنوات الأخيرة اهتمت بأصداء الثورة التحريرية في مناطق مختلفة من فرنسا، مثل نور با دو كالي (جون رنيه جونتي، باريس 1، 1983)، اللورين (طار زهرة، متز، 1987). كما اتجهت البحوث نحو استثمار أرشيف الإنتاج السمعي البصري في إعداد الرسائل الجامعية في المجال الذي يهمنا في هذه الدراسة، وخاصة على مستوى جامعة باريس 8 ( كيكنير ترامور، جامعة باريس 8، 2007، ماري شومينو، باريس 8، 2008، روبير دفيزاك، تولوز 2، 2008).
حظيت الثورة التحريرية باهتمام جامعة مونبييليه التي كانت تمثل قطبا مختصا في التاريخ العسكري بحكم الطبيعة العسكرية للموضوع باعتبار هذه الثورة من كبرى الحروب في القرن العشرين، فأنجزت في رحابها رسائل جامعية كثيرة تعمقت في البحث حول الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني من جوانب مختلفة، ووصل حجم إحدى هذه الرسائل التي أنجزها الباحث فريدريك ميدار 9 مجلدات تناولت بالتفصيل تاريخ الجيش الاستعماري في الجزائر بين 1953 و1967. كما قدم الباحث هنري فيرو أطروحة دكتوراه حول دور الوحدات المظلية أثناء الثورة التحريرية، بينما قدمت الباحثة دليلة آيت الجودي رسالة دكتوراه حول صورة المحاربين الفرنسيين في مخيال المجاهدين من خلال التركيز على نماذج مختارة في الولاية الثالثة التاريخية. واهتم الباحث رجيس شومبوردو بدراسة مخطط شال. ودرس الباحث محمد قنطاري التنظيم السياسي والإداري والعسكري للثورة. هذه هي بعض نماذج من الرسائل التي نوقشت في جامعة مونبلييه.
وباستثناء ستورا وبرفيي اللذان اهتما بالنخبة السياسية والعسكرية الجزائرية، فإن معظم الشخصيات التي صنعت الأحداث بين 1954 و1962 لم تحظ بدراسة الباحثين، خلافا لاتجاهات البحث التاريخي في الجامعة الجزائرية، ذلك أن كثير من الأطروحات تناولت مسارات العديد من قادة الثورة التحريرية. فهل يعني ذلك أن الباحث الفرنسي يعتبر في قرارة نفسه أن قادة الحرب الفرنسيين في الجزائر ارتكبوا جرائم في حق الشعب الجزائري، وأساءوا إلى بلدهم وحضارتهم فأفضل لهم أن يبقوا في صمت التاريخ؟
ولا نجد جامعة فرنسية متخصصة في تاريخ الثورة الجزائرية على الرغم من تأثيراتها العميقة -إلى حد اليوم- في الذاكرة الفرنسية وأجيال من الفرنسيين الذين عاشوا تلك المرحلة الصعبة، فانتشار الرسائل على خريطة جغرافية شاسعة يخضع فقط لوجود الأساتذة المختصين في تاريخ الجزائر المعاصر، المبعثرين في جامعات باريس المختلفة، ومونبلييه وبروفانس وليون ورين وبوردو وتولوز…الخ، يقصدهم الطلبة الجزائريون والفرنسيون للدراسة على أيديهم، والعمل تحت إشرافهم العلمي والإداري.
كتب ومؤلفات
عرفت الكتابة التاريخية في مجال الثورة الجزائرية تطورا كبيرا، فنشرت آلاف من الكتب والبحوث وما تزال المطابع تطبع بدون ملل لم يمسسها لغوب. ونجد على رأس هذه الكتب الرسائل الجامعية وبحوث المؤرخين وأعمال الملتقيات والندوات والمذكرات الشخصية بدون أن ننسى الروايات الأدبية التي تستلهم أحداثها وأبطالها من وحي الثورة التحريرية.
وإذا تعمقنا في قراءة هذه المؤلفات خاصة التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة، وجدناها تهتم بخمس قضايا أساسية، وهي:
-قمع الشرطة الفرنسية للمظاهرات السلمية للجزائريين في شوارع باريس يوم 17 أكتوبر 1961.
-التعذيب الذي مارسه الجيش وأعوان الأمن على المعتقلين الجزائريين في السجون والمعتقلات المختلفة عبر التراب الجزائري.
– التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر ومازالت تأثيراتها الإشعاعية قائمة تشكل خطرا على السكان والبيئة
-مكانة الحركى في تاريخ فرنسا المعاصر والبحث عن حقوقهم المدنية الكاملة.
– اعترافات العديد من الجنود الفرنسيين بأخطائهم أو جرائمهم التي ارتكبوها في الجزائر أو شاهدوها فلم ينهوا عنها، وما ترتب عن ذلك من أزمات نفسية ومرضية رافقتهم طوال حياتهم بسبب الشعور بالذنب تجاه الضحايا الأبرياء.
دوريات أكاديمية
تصدر في فرنسا كثير من المجلات التي تهتم بالتاريخ المعاصر، ولا يمكن التطرق إليها في حدود هذا المقال، ولهذا السبب سأقتصر هنا على دراسة بعض منها فقط. وتنقسم هذه المجلات التاريخية إلى نوعين: الموجهة إلى العامة وأشهرها: Historiaو L’Histoire, ويكتب فيها المختصون من المؤرخين والعسكريين بأسلوب سهل، وتضم صورا كثيرة تجذب الناظرين.
أما المجلات الأكاديمية، فأذكر منها “المجلة الفرنسية لتاريخ ما وراء البحار” التي نشرت مجموعة من البحوث القيمة عن الثورة الجزائرية بأقلام أكبر المختصين الفرنسيين في هذا المجال. وتنشر المجلة باستمرار عروضا نقدية مختصرة لآخر الإصدارات التي تتعلق بالثورة التحريرية.
كما فتحت مجلة القرن العشرين (20e siècle)التي يصدرها معهد الدراسات السياسية بباريس، صفحاتها لكل الباحثين المهتمين بتاريخ الجزائر المعاصر. فكتبت المؤرخة سيلفي تينو عن “مولود فرعون أديب في الثورة الجزائرية”، وعالجت آن ماري دورنتو-كرابول ” مواقف جريدة الكفاح (Combat) من الثورة الجزائرية”. وكتب بيير فيدال ناكي عن ذكرياته عن الثورة ومساندته لها، وغير ذلك من مقالات وبحوث نفيسة لآجرون وستورا وبرفيي وجون-بيير ريو، وجون-فرانسوا سرينيلي…الخ. وتتميّز هذه المجلة بعروضها الدائمة للكتب الجديدة في تاريخ الجزائر المعاصر، وقد استفادت الثورة الجزائرية من عروض نقدية لمعظم ما صدر حولها من مؤلفات. كما فتحت منبرا للنقاش بين المؤرخين حول إشكاليات متعددة حول هذا الموضوع مثل: أهمية الأرشيف المنشور حديثا، مصير الحركى، جرائم التعذيب، عدد القتلى خلال الثورة، الشهادات الشفوية وقيمتها التاريخية،…الخ.
نشرت مجلة “الحروب العالمية والصراعات المعاصرة” التي تصدرها اللجنة التاريخية للحرب العالمية الثانية مقالات عن الثورة التحريرية باعتبارها من أكبر الحروب في القرن العشرين، وقد كتبها المختصون في القضايا العسكرية والإستراتيجية وكذلك المؤرخون خاصة جاك فاليت الذي عالج أحداث ساقية سيدي يوسف، الحركة المصالية في الجزائر، آثار الثورة التحريرية في تونس وغيرها من الدراسات، حاول من خلالها إثبات نظريته حول تعقد الثورة الجزائرية.
ولقد بحثت في أشهر المجلات التاريخية الفرنسية الأخرى (مجلة التاريخ المعاصر، المجلة التاريخية، آرابيكا، كراسات المتوسط، مجلة الغرب الإسلامي والمتوسط، مجلة الدراسات الإسلامية، كراسات تاريخية…) فلم أجد فيها إلا مقالات نادرة حول موضوعنا ولعل السبب في ذلك يكمن في تمسكها المفرط بالأرشيف والوثائق في عملية الكتابة التاريخية في حين أن ذلك غير متوفر دائما للباحثين في مجال الثورة التحريرية التي مازال كثير من أرشيفها محبوسا في صناديق وعلب مغلقة.
ولا شك أن مجلات أكاديمية متخصصة في التاريخ تصدرها الجامعات الفرنسية والجمعيات العلمية، تنشر بدورها دراسات ومقالات حول الثورة الجزائرية من زوايا مختلفة، وفي مناسبات محددة، وهي تحتاج إلى من يصنّفها ويفهرسها ليستفيد منها الباحثون والطلبة الجزائريون. مراكز البحوث
بدأت عدة مراكز بحوث فرنسية تهتم بتاريخ الثورة التحريرية خاصة بعد فتح جزء من أرشيفها بداية من عام 1992، ولعل أبرزها: معهد مغرب- أوروبا في جامعة باريس 8، ويشرف عليه عدد من المؤرخين الفرنسيين مثل رونيه غاليسو وبنيامين ستورا، ومعهد الزمن الحاضر التابع للمركز الفرنسي للبحث العلمي بإشراف شارل روبير آجرون، وكذلك مركز دراسات تاريخ الدفاع الذي يديره المؤرخ موريس فايس الذي يهتم بالثورة الجزائرية في سياق اهتمامه بالتاريخ العسكري الفرنسي…الخ.
وتنظم هذه المراكز باستمرار ندوات وملتقيات حول تاريخ الثورة التحريرية، يشارك فيها المؤرخون الفرنسيون المعروفون وتستضيف أيضا مؤرخين وشخصيات تاريخية جزائرية ليقدموا شهادات أو يعرضوا إنتاجهم العلمي. كما تصدر هذه المراكز كتبا جماعية وفردية، ومجلات محكمة ونشريات منتظمة تبرز أخبارها وتعرض نشاطاتها العلمية المختلفة، وأذكر منها المؤتمرات الدولية التالية المنعقدة بين 1988 و2012.
-حرب الجزائر والفرنسيون 1954-1962. معهد الزمن الحاضر، باريس، 15-17 ديسمبر 1988.
-حرب الجزائر والجزائريون 1954-1962. معهد الزمن الحاضر، باريس، 26-27 مارس 1996
-الجوانب العسكرية للثورة الجزائرية. مركز دراسات تاريخ الدفاع (مونبلييه)، 5 -6 ماي 2000.
-حرب الجزائر في مرآة المستعمرات الفرنسية. جامعة السوربون، نوفمبر 2000.
-حرب الجزائر، حرب مثل الحروب الأخرى؟ جامعة باريس3/ المكتبة الوطنية، 6-7 ديسمبر 2012.
أفلام وثائقية
بعد أن كانت الثورة الجزائرية يطلق عليها لفترة طويلة “حرب بلا صور”، أصبحت ثورة الصور الفائضة بسبب تزايد الحصص الوثائقية والأفلام التلفزيونية والسينمائية التي عالجت أحداثها وتناولت أبطالها من زوايا متعددة. وقد شجع على ذلك نجاح عدة برامج تلفزيونية حول التاريخ، كان يعدها ويقدمها مؤرخون معروفون كجورج دوبي حول تاريخ الكنائس، وبيير ميكال حول الحرب العالمية الأولى، ومارك فيرو حول التاريخ الراهن، استقطبت المشاهدين بنسب عالية وبشكل مستمر.
وهكذا أنجزت حصص عديدة في مختلف القنوات التلفزيونية الفرنسية تعرض وجهات نظر متعددة للمؤرخين والشخصيات السياسية والعسكرية الفرنسية التي شاركت في أحداث الثورة التحريرية. ولعل من أشهرها: حصة ” السنوات الجزائرية”، التي أنجزها المؤرخ بنيامين ستورا، وبثتها القناة الثانية في سبتمبر 1991، وتبعتها عشرات من الحصص الوثائقية وأكثر من ستين فيلما شارك المؤرخون في إنتاجها بكتابتهم للسيناريو أو باستشاراتهم العلمية.
وتعزز المجال السمعي البصري في هذا الميدان بتأسيس مركز توثيق التاريخ المعاصر بننتير في ضواحي باريس، ثم بإنشاء المدينة الوطنية لتاريخ الهجرة حيث حظيت الثورة الجزائرية بمكانة رفيعة.
هذا هو باختصار ما قدمه الأكاديميون الفرنسيون والجزائريون في فرنسا لموضوع الثورة الجزائرية، ورغم كل هذه الجهود المتواصلة بغض النظر عن وجهات النظر المختلفة التي عبر عنها هؤلاء في أعمالهم المتعددة، فإن هذه الثورة لم تكشف بعد عن كل أسرارها، وستبقى منبع الهام لا ينضب للباحثين في حقل العلوم الاجتماعية يستمدون منها القضايا والأحداث والقيم الجديرة بالبحث والاقتداء والتبليغ للأجيال الحاضرة والقادمة من الضفتين.