مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

يحادّون الله، ورسوله، والمؤمنين أ.د عبد الرزاق قسوم

27  هي نغمة نشاز، ظلّت تردّدها أسطوانة مشروخة حتى سئم سماعها الذوق الإنساني السليم ومجّها العقل الواقعي الحكيم. تلك هي معزوفة المطالبة بإلغاء حكم الإعدام، وتجييش الناس حول هذا المطلب الجائر المجحف العقيم.

  قد لا ننكر، بتسامحنا الذي أورثنا الخلق الإسلامي إيّاه على الإنسان، أن يكون علمانيًا، فيعطل حكمًا من أحكام الله وهو القصاص. وقد لا نحاسب، بإنسانيتنا التي تجذّرت فينا بفضل ثقافة حقوق الإنسان التي تعمقناها، نتيجة تكويننا الجامعي وانفتاحنا على ألوان الفكر والثقافات، لا نحاسب من يرفع شعار الشطط، فيدوس باسم حقوق الإنسان على حق إنساني آخر وهو العدل.

إنّنا قوم مؤمنون بالله، ومؤمنون بحقّ الإنسان في الحياة، بأن يعيش عيشة كريمة تحفظ فيها إنسانيته، وتصان كرامته، وبذلك تصبح القاعدة الأساسية للإنسان هي حقّه في الحياة، وما شذّ عن ذلك من قصاص، وحكم بالإعدام، هو استثناء يؤكد قاعدة الحياة ولا يلغيها، فما لهؤلاء الذين يستعدون على الحقّ الإنساني المقدّس وهو حقّ الحياة، يستعدون الهيآت الأممية والمؤسسات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، ليعتدوا على الفهم الديني الصحيح للنصوص، وعلى التطبيق العقلي القانوني الفصيح للفصوص؟.

أف! لدعاة “الحداثة” الذين يلبسون الحقّ بالباطل، فيزعمون أنّ تنفيذ حكم الإعدام العادل على القتلة والمجرمين هو اعتداء على حقوق الإنسان. ولو أنصف هؤلاء الحق الإنساني لحموا حقّ الطفل البريئ الذي يختطف من أحضان أبويه الدافئة، فيُغتصب ويُقتل بأبشع وسائل القتل. فمن يحمِ حقّ هذا الطفل؟ أليس هو حقّ إنساني مقدّس في الحياة الكريمة والسليمة؟.

ومن يقتّص للأمّ التي تُهاجم في عشّها العائلي الدافئ، فتُذبح مع أبنائها، كما تُذبح النعاج، ولا من يحميها من القتلة المتوّحشين؟ فأين حماية حقوق الإنسان في هذه الحالات التي أصبحت تطبع واقعنا المجتمعي كلّ يوم؟.

فيا قومنا! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، وهي أن نحمي الإنسان من الموت البشع، باتباع القوانين التي تحميه، وتأويه، وتنجيه، وحيثما وجدنا هذا القانون، في نص مقدّس أو في قانون مؤسس، فالعبرة بالنتائج والأعمال بالخواتم.

لقد نادينا، ولازلنا ننادي بأنّ الحلّ لا يكمن في إلغاء تنفيذ حكم الإعدام، بل إنّ هذا الإلغاء من شأنه أن يزيد الجريمة انتشارا، ويدفع المجرمين إلى مزيد من ارتكاب أفظع الجرائم الغريبة عن وطننا، وعن مجتمعنا، كما أنّ تنفيذ حكم الإعدام لن يكون وحده الرّادع على ارتكاب مختلف الجرائم. إنّ الحلّ من وجهة نظرنا يكون بتبني الحلّ المزدوج، وهو القصاص العادل من جهة، والقيام بالعمل التوعوي التحسيسي من جهة أخرى.

وبتمثل هذا الحلّ الواقعي في اتباع الخطوات التالية:

1-  الحرص على تطبيق العدالة من القاضي في أحكامه، التي لا يراعي فيها إلا الحقّ، والضمير، بحيث لا تأخذه في الحق لومة لائم.

2-  العمل على تطبيق العدل في الحكم بحيث يكون الناس جميعًا سواسية في التمتّع بالحقوق الضرورية، حقّ الحياة، وحقّ العمل، وحقّ السكن، وحقّ التديّن، وحقّ التعلم… الخ.

3-  التفرقة بين الحكم السياسي والحكم الجنائي، فالأحكام السياسية غالبًا ما يشوبها الهوى الإيديولوجي، والتعصّب المذهبي أو الحزبي، وتصفية الحسابات المختلفة، ومن هنا فنحن لا نقرّ بتنفيذ الإعدام في المدان سياسيًا حفاظًا على العدل في الحكم.

أمّا الأحكام الجنائية، فهي غالبًا ما تكون مصحوبة بأدلة وقرائن، لا تترك مجالا للشبهة، كالاعتراف الحرّ دون إكراه، وهو سيّد الأدلة، إن هذه الأحكام إن ثبتت لا مجال فيها للمساومة لأنّ في تعطيلها اعتداء آخر على حقّ الإنسان المقتول {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: 179).

وتبقى قبل ذلك وبعده عملية التربية والتوعية، فتلك أمور ينبغي العود بها إلى أصولها، وهي المدرسة التي تخلّت عن دورها التربوي، الذي من شأنه أن يكوِّن لنا جيلا مـختلفًا ينبذ العنف ويعمل على بث روح السلم، والمحبّة، والتعاوّن، والإخاء، وكذلك الأسرة التي انشغلت عن تربية أبنائها بالجري وراء الماديات والكسب بكلّ الوسائل.

فإذا ما اعتنينا بعوامل الحماية والتحصين، والتوعية والتمكين أمكن حينئذ المطالبة بتطبيق القوانين في كنف العدل والعدالة، ويومئذ يمكن أن يسير الرّاكب من مغنية إلى تمنراست لا يخشى على نفسه أو على مركبته إلا الخنزير والممهلات المنتشرة بفوضى عبر الطرقات.

نريد لمواطنينا من دعاة إلغاء حكم الإعدام أن يخضعوا دعواهم هذه إلى واقعية النصوص، وحكمة الفصوص، وأن يضعوا نصب أعينهم أطفال قسنطينة المغتالين، وأمّ تيليملي وأبناء أسرتها المفجوعين، فكيف ينجو قتلة هؤلاء الأبرياء من قصاص الله ورسوله والمؤمنين؟..

إنّ أخطر مجرم في الحياة، هو من يسرق الحياة من البراعم والبلابل، والثكالى، والأرامل. فإذا أغفلنا حقّ هؤلاء المغتالين، فإنّنا نكون قد اعتدينا على حقّ الإنسان باسم حقّ الإنسان، ولا يمكن محو الظلم بالظلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى