من أسباب التخلف وفساد التدين: التقليد، والإمعة، والتعصب للشيع والمذاهب…والمطلوب هو الاتباع…والاتباع نوعان: اتباع ممدوح، واتباع مذموم…
قال الله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ}…تدبروا كيف جاء الأمر باتباع طريق، والنهي عن اتباع طريق آخر…فاتباع الوحي حياة وعزة وارتفاع، واتباع الأهواء تخلف وهوان وضياع…
الأصل أن التقليد إذا أطلق فهو الاقتداء بالآباء والزعماء والمشيخة عن جهل، أو هو التمسك بالتقاليد والهرطقات والخرافات، أو تقليد شيوخ المذاهب الفاسدة عن غباء، وعدم الاستجابة لاتباع السنة النبوية…
فالمقلدون إذا بلغوا حد التعصب لآبائهم ومذاهبهم قد يقتلون من أجلها، أو يموتون على غير هدى وهم لا يشعرون، للغفوة المطبقة على عقولهم، والأنفة الغطرسية، وحمية الجاهلية. لذلك لا تستغرب عندما تسمع أن المصاب بالتقليد الأعمى للمذهب التقليدي يكفر من لم يتبعه..! ومن المغرورين الذين اتبعوا أحبارهم ورهبانهم ولم يتبعوا الرسول محمدا، صلى الله عليه وسلم، اليهود والنصارى.الذين قال الله تعالى فيهم:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} .
والله تعالى يخبرنا عنهم لنحذر الوقوع فيما وقعوا فيه من فساد الدين والأخلاق، وهم يحسبون أنهم شعب الله المختار، ويزعمون التمدن والتحضر، وجهنم تنتظرهم جزاء فسوقهم عن أمر ربهم...{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}؟
كما أن الاتباع إذا أطلق فيقصد به الاتباع الحسن الممدوح…كقولي: أنا متبع ولست مبتدعا…أو نقول: فلان تابعي…فالاتباع هو الاقتداء بالمهتدين عن علم وبصيرة. وهو الاستمساك بالوحي، واتباع الصحابة، رضي الله عنهم، دون تمذهب لفرقة، ولا تحزب لطائفة.
قال السائل: ولكن هناك ظروفا اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، أو يمكن أن تكون سياسية تسلط على الفرد في محيطه، كالضغوط الأسرية وتقاليدها، والتسلط المذهبي الذي يمارسه الشيوخ على الأتباع، أو القهر الاستبدادي السياسي، وغير ذلك مما يجعل الأتباع مُقَيَّدين بتقاليد وعادات لا حول لهم ولا قوة للخروج من طقوسها وهرطقاتها، قلت: إذا كان الناس في الفترة قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يُعذروا بجهلهم، فكيف بمن يعيش الآن عصر الفضائيات، والشبكات العنكبوتية، وغيرها من وسائل الوصل والاتصال المتطورة؟. وتذكر:[ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق] هل من المعقول أن يعلم المسلم سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، ويتركها ويتشبث بمذهب شيخه، أو فكر حزبه، أو تقاليد جيهته؟
فالمطلوب من الفرد المسلم الذي يعيش مع والدين غير مسلمين، أو يكون في مكان تطغى فيه العصبية الفرقية أو العرقية، أو كمن يعيش في بلدان غير إسلامية. عليه أن يصاحب المتعاملين معه بالمعروف، ولكنه لا يركن إلى طقوسهم المخالفة للقرآن والسنة…
لقد حذر الله تعالى أشد التحذير من مخالفة اتباع الحق المعلوم، والحق في اتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة الإسلامية.قال الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
قال السائل: لقد أحكم الله تعالى في كلامه العزيز هذه المسائل وفصلها تفصيلا، ومع ذلك ما يزال كثير من المتعصبين لشيعهم، ومذاهبهم، لا يحتكمون إلى القرآن والسنة..فما ذا يقال لهم؟ قلت: هل تظن أن هناك قولا أبلغ وأوضح من كلام الله تعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا…قلت: إذن، اسمع:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}،
قال السائل: ألا يجوز اتباع مدرسة فقهية واحدة والاقتداء بإمام كاتباع الإمام مالك، أو أبي حنيفة، أو الشافعي، أو ابن حنبل؟ قلت: ليس الذم في الاقتداء بأحد المذاهب الفقهية التي أجمعت الأمة على سنيتها، وإنما الخطأ في الاختلاف العدائي بين أتباع المذاهب…قال عز الدين بن عبد السلام: ((ومن العجب العجاب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مبررا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم…وقال لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقليد لمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين…إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين..فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلدا له فيما قال كأنه نبي أرسل.! وهذا نأي عن الحق، وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من أولي الألباب))(عن كتاب الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف). قال الإمام ولي الله الدهلوي في كتابه (الإنصاف): (( روي عن أبي حنيفة، أنه كان يقول: (لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي)) وكان إذا أفتى يقول: (هذا رأي النعمان بن ثابت) يعني نفسه، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب…قال: وكان الإمام مالك يقول: (ما من أحد إلا وهو مأخوذ من كلامه ومردود عليه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وعن الشافعي أنه كان يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)..وقال يوما للمزني يا أبا إبراهيم، لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك، فإنه دين..وكان يقول: (لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم).إ.هـ.
قال السائل: ربما ذلك التعصب للمذاهب، وذلك التقليد الساذج، كان في القرون الوسطى، أو قبل الصحوة الإسلامية، فَلِمَ الحديثُ عن هذه السلبيات الثقافية، والانحرافات الفكرية، الآن؟…قلت: صدقت، لم يعد لتلك الخلافات الحادة المذمومة وجود…حيث كان أتباع مذهب لا يصلون وراء أتباع مذهب آخر..وكلهم يدعي أنه يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم.؟! ولكن التعصب بين الأتباع لا يزال يفعل فعله في النفوس المريضة…مازال إلى الآن أفراد بل جماعات، في مناطق كثيرة من هذا العالم يميزون أنفسهم عن باقي المسلمين في العالم باسم مذهبهم، وهذه قضية خطيرة وخطيرة جدا…وخوفا على الأجيال اللاحقة التي قد تصاب بهذا الفكر التعصبي، ويستمر الصراع، ومعه الضعف والضياع…طرحنا هذا الموضوع من جديد لنقول للشباب هاهي دعوة الله في القرآن، فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، لقد سمانا الله تعالى ( المسلمين) فلا تقل: أنا مالكي، وفلان حنبلي، قل : أنا مسلم، وأخي فلان مسلم…لو سئل أولُ رسول عليه الصلاة والسلام من أنت يا نوح؟ لكان جوابه:{وأمرت أن أكون من المسلمين} ولو سئل خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، من أنت يا محمد؟ لكان جوابه:{وأمرت أن أكون من المسلمين}…
قال السائل: هل كان في عهد الصحابة مذاهب؟ لم يكن في عهد الصحابة مذاهب، وإنما كان القرآن والسنة…قال: هل دعا الأئمة إلى أن يقلدهم الناس، ولا يتبعون غيرهم؟ قلت: ما حدث هذا أبدا…إذن كيف حدثت وتكونت المذاهب التي فرقت ومزقت الأمة، وأحدثت في طريق المسلمين غمة؟هذه هي القضية…