عندما استمعت إلى البيانات التفاخرية الصادرة عن وزارة التجارة، والمعبرة عن بالغ الرضا بمدى استجابة التجار لنظام المداومة في عطلة عيد الأضحى المبارك، جال بذهني احتمالان: الأول وهو إما أن يكون بيان وزارة التجارة صادقا ودقيقا في تحديد نسبة الاستجابة العالية، والتي قدرها وزير التجارة عمارة بن يونس بـ 99.3 من مجموع المحلات التجارية المعنية بنظام المداومة، زاولت نشاطها بصفة عادية في أيام العيد، وعليه يكون الحي الذي أسكنه بباب الوادي لم يشمله نظام المداومة.
والاحتمال الثاني هو أن تكون أرقام وزارة التجارة مجرد ضحك على الذقون، ومغالطة المواطنين الذين عانوا مثلي الأمرين في رحلة البحث عن مادتي الخبز والحليب الضروريتين لمعيشة العائلات الجزائرية.
جاء في البداية أرقام الاستجابة للمداومة على لسان المدير العام لضبط النشاطات التجارية وتنظيمها بوزارة التجارة، وهي أرقام تشبه إلى حد كبير النسب التي كانت تعطى للمواطنين في السبعينات والثمانينات على حجم المشاركة في الانتخابات، ونسبة فوز مرشحي جبهة التحرير بها سواء في الاستحقاقات البلدية أو التشريعية أو الرئاسية، علما أن حزب جبهة التحرير الوطني كان آنذاك هو الحزب الوحيد، والحاكم، وتقدير نسبة المشاركة، والفوز، كانت مجرد روتين إداري لا يخرج عن تقاليد أنظمة الحزب الواحد.
وبعد أرقام المدير العام لضبط النشاطات التجارية وتنظيمها بوزارة التجارة جاءت أرقام وزير التجارة في تصريح للإذاعة الوطنية، والذي أكد أن عدد المحلات التجارية نهار العيد قفز من 15 ألف إلى 34 ألف بما سمح بتخفيف الضغط الذي يعيشه المواطنون في كل مناسبة.
من الواضح أن السيد عمارة بن يوسف لا يضطر للاصطفاف في طوابير اقتناء الخبز والحليب، ولا يتجول في أسواق الخضر والفواكه صبيحة أيام العيد، لأنه لو كان يفعل ذلك لطلب ممن زوده بأرقام الاستجابة لنظام المداومة أيام العيد أن يخففوا من ضخامة النسب، وغلواء الحماس لوهم التحكم في ضبط السوق.
المواطنون العاديون الذين أصبحوا يلثهون وراء المواد الاستهلاكية الضرورية عاينوا في الواقع أن لا شيء تغير، وأن دار لقمان على حالها، لا فرق بين الندرة المفتعلة في أيام العيد الصغير وأيام العيد الكبير، وأن البحث عن مادة الخبز والحليب كان يشبه بحث الضمآن عن قطرة ماء في صحراء قاحلة، فأينما تولي وجهك تقابلك محلات مغلقة، أما المخبزات القليلة التي فتحت أبوابها احتراما لنظام المناوبة فإن طوابير الزبائن المصطفين أمامها كانت كافية لتدفع المرء إلى أن يرضى من الغنيمة بالإياب، وعدم إضاعة الوقت بلا طائل في طابور له أول وليس له آخر، فضلا عن ما يتخللها من احتكاكات وملاسنات، ومشادات لا توقر كبيرا ولا تراعي حرمة، وكانت بعض المخبزات ومع قلة المعروض ورداءة نوعيته تبيع الخبز بزيادة 150% أو 200% في سعره الحقيقي بلا رقيب أو حسيب.
أما الحصول على كيس أو بضعة أكياس من الحليب، فذلك يعتبر من الإنجازات التي ترفع رأس المرء أمام عائلته في هذه الأيام! فأزمة الحليب مازالت مستمرة، سواء في أيام العيد، أو حتى في الأيام العادية التي تنفذ فيها كميات الحليب المعروضة للبيع قبل صلاة الفجر، أو بعدها بقليل.
أما الخضر والفواكه، فإن أسعارها تصل في أيام العيد إلى مستويات قياسية تدفع المواطن لأن يتساءل عن جدوى وجود وزارة للتجارة أصلا؟!
لقد أصبحت الحكومة تعتبر أن النجاح الورقي أو خلق انطباع تحقيق النجاح عن طريق استعراض البيات المنشورة أو المذاعة في وسائل الإعلام هو غاية في حد ذاته.
تقول بيانات وزارة التجارة إنه تم تسخير 4565 تاجر في ولاية العاصمة وحدها منهم 2300 محال للمواد الغذائية، و609 مخبزة، و8 ملبنات، وأن عدد المخالفين لنظام المداومة بلغ 0.7 بالمائة فقط، في حين أن رئيس اتحاد الخبازين قال في تصريح له لإحدى الجرائد الوطنية أن نسبة استجابة الخبازين لنظام المداومة بلغ في العاصمة 35 بالمائة فقط، أي أن أكثر من ثلثي الخبازين المعنيين بنظام المداومة لم يلتزموا به، فكيف تسنى لوزير التجارةأينما تولي وجهك تقابلك محلات مغلقة، أما المخبزات القليلة التي فتحت أبوابها احتراما لنظام المناوبةة
أن يؤكد أن أقل من واحد بالمائة، فهم فقط الذين لم يلتزموا بنظام المداومة؟!
ومهما يكن فإنه في ظل الوفرة المالية التي عرفتها الجزائر كان بإمكان الحكومة أن تطلق برامج شعارتية، مثل ترقية الزراعة، ومحاربة السوق السوداء، وغيرها من البرامج التي سرعان ما يخفت ضجيجها، ويتلاشى مفعولها بانقضاء زمن صلاحيتها الإعلامية، ولكننا على مقربة من مواجهة تراجع العائدات المالية بالعملة الصعبة نتيجة الانخفاض المتواصل لأسعار النفط في الأسواق العالمية، فكيف سيكون وضع الجزائريين الذين سمعوا بالوفرة ولم يلمسوا آثارها في حياتهم؟!