تغير كل شيء، عن العيد في بلادي الجزائر، فلم يعد العيد يحظى بذلك الجو الإسلامي الإنساني الدافئ، ولم يعد الجزائريون –على اختلاف أعمارهم- يحيطون العيد بهالة التقديس والتأنيس، التي كان أسلافنا يخصصونها لهذا المنسك الإسلامي الرمز.
هل هو الزمان الذي تغير، فأضحت دقائقه وساعاته، وأيامه، وشهوره، غير تلك التي فتحنا عليها أعيننا وعقولنا؟
أم هو الإنسان، الذي تمرد على كل شيء –بدء بالمقدسات- فدنّس معالمها، وقزّم مغانمها، وعدد مظالمها؟
قد يقول قائل أن المكان هو صانع الزمان ومصنع الإنسان، وبالتالي فهو المتحكم في سلوكات العباد، في كل ما هو رائح وما هو غاد.
أيا كان العامل الرئيسي، في هذه التحولات التي حدثت للعيد، فباتت تقدم صوراً مغايرة، عما ألفناه، وما ورثناه عن أسلافنا، فإنه يجب أن نعيد النظر في كل تصوراتنا عن الأعياد.
إنه يحز في قلوبنا، أن نرى العيد في مجتمعنا، قد أفرغ من مضمونه ومحتواه، وحاد عن أهدافه ومبتغاه.
فلا الأذان أذان في منارته
إذا تعالى، ولا الآذان آذان
لذا فإن من وحي تعاملنا مع العيد، يجب أن نرسم منهجية تغيير، للذهنيات، والسلوكيات التي أصبحت لازمة سلبية من لوازم العيد، فتعمل على إدخال التغييرات الآتية عن أخلاقنا في العيد: 1- إن صلاة العيد، التي نستهل بها يوم العيد، يجب أن تستعيد في معتقداتنا مدلولها الصحيح، وهي أنها بالتكبير والتسبيح الذي يشكل المقدمة الصحيحة للعيد، هو الحصن الذي يتحصن به المسلم، للاحتفال بيوم العيد. ومن هنا فإن الصلاة التي نستهل بها يوم العيد تتكون من صلاة ركعتين، وإلقاء خطبتين. فما بال البعض يقتصر على الركعتين، وبتصرف غير مبال بأهمية الخطبتين؟ 2- إن تبادل التهاني بالعيد، في المسجد ينبغي أن يقتصر على المصافحة، وتبادل التهنئة، ولا عبرة بالتقبيل، والتقبيل المضاعف، ففي ذلك إحراج ومشقة للكثير. 3- إن العيد، هو الفرصة السعيدة المتاحة لجمع العائلة الممتدة، التي ضاعت في مجتمعنا، تحت تأثير الأسرة النووية نتيجة ظروف نفسية، واجتماعية، واقتصادية.
فالأسرة الممتدة، التي تحتوي الجد، والجدة، والعم، والخال، هي التي تعطي للعيد بعده الاجتماعي الإنساني، الذي يهدف إليه الإسلام، من سن التصافح والتصالح، والتسامح بين المختلفين، والمتخاصمين، والمتنازعين. 4- إن لزيارة الموتى حقا في ذمة الأحياء، وهي أن يتعهدوا المقابر، تذكيراً، ووفاء، ودعاء، لساكني الأجداث الذين كانوا بالأمس مثلنا، وهم اليوم من ساكني القبور.
على أن هذه الزيارة للقبور، يجب أن تخلو من بعض البدع التي شانتها، كالاختلاط المخل بين الجنسين، وكوضع الورود والزهور على القبور، وتبادل الأحاديث الدنيوية الخاصة، ولا سيما بين النساء، والتي قد تعود إلى الغيبة والنميمة. 5- الأضحية هذه السُنة الدينية، والاجتماعية المحببة، يجب أن تحاط بما أحاطها الله به، وهي التقوى ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ [سورة الحج- الآية 37].
فقد سطت على هذه السُنة الرمزية –هي الأخرى- بدع ما نزل الله بها من سلطان، لقد اتخذها البعض وسيلة للقمار بين الكباش، ومدعاة للتفاخر بين الجيران، ووسيلة للاحتكار والاستغلال من بعض التجار.
فإذا عدنا إلى لحوم الأضاحي، فإن البعض ابتعدوا بها عن السُنة، واتخذوها مادة لتكديس اللحم، ولا عبرة بثلث الصدقة، وثلث الأقارب، وثلث الأسرة.
إن المظاهر المشينة التي صارت تصاحب الأضحية في العيد، توشك أن تحرمها وتضعها في دائرة البدعة بدل أن تكون في دائرة السُنة، التي يبتغى بها وجه الله. 6- العمل على تخليص بيئتنا ومحيطنا من المظهر المشين الذي أصبح يلازم العيد وهو مظهر الدم المراق في الشوارع، والأوساخ الملقاة على الأرصفة، زيادة على ثغاء الأضاحي الذي أصبح ينبعث من شرفات الشقق، فيزعج السكان والمارة معا.
آن على ساكني كل حي، وبإشراف المسجد، أن يعمدوا إلى تنظيم الأضحية، باتخاذ المكان المناسب الذي يتسع لأضاحي السكان، وإسناد مهمة الذبح لمتخصصين، طاهرين، فيقوموا بالعمل على أحسن وجه، ولو بالمقابل المعلوم.
إن حضور المسجد، بخطابه وأئمته في هذه المناسبات الإسلامية، قد بات ضروريا، لإعادة الوجه الصحيح لمجتمعنا المسلم، بعيداً عما ألصق به من مظاهر وبدع مشينة.
لقد سبقتنا شعوب إسلامية إلى مثل هذا التنظيم المحكم، فلماذا لا نفتدي بها، فنكون قدوة، وصورة حسنة للإسلام في طهارته، ونقاوته، وحسن تنظيمه.
هذه هي معالم العيد الصحيح، لمن أراد أن يذكر، فقد –والله- سئمنا الفوضى التي تصاحب العيد دينيا، وماديا، وسلوكيا، وأن حالنا ينطبق عليه قول الرصافي: ألا ليت يوم العيد، لا كان أنه يجدد للمحزون حزنا فيجزع