العنف المدرسي يتهدد الجميع فإن مقاومته هي قضية الجميع

  العنف هو سلوك إيذائي قوامه إنكار الآخرين كقيمة تستحق الحياة والاحترام، ومرتكزة على استبعاد الآخر، إما بالحط من قيمته أو تحويله إلى تابع أو بنفيه خارج الساحة أو بإبعاده معنويا أو جسديا.

  ويعرف أيضا بـ: “سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو علاقة قوة غير متكافئة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، بهدف إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية، لفرد أو جماعة، أو طبقة اجتماعية”.

  إذا فالعنف يتضمن عدم الاعتراف بالآخر ويصاحبه الإيذاء باليد أو باللسان أو بالفعل أو بالكلمة، أو حتى بالنظرة، وكلاهما له تبعاته وأضراره الجسيمة، ولا يخفى على الأسرة الجزائرية اليوم، أن ظاهرة العنف التي تفاقمت حتى أصبحت أينما نولي وجوهنا نجدها نصبنا…

ولكن في الحقيقة ما أرق تفكيري في هذه القضية الاجتماعية الهامة، أن الكل يتحدث عن العنف وبشدة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، الحصة التلفزيونية التي بثت من إذاعة القرآن الكريم الفضائية، والتي استضافت أساتذة ومربون وأئمة ومختصات في هذه القضية، وكانت ناجحة وبامتياز ولله الحمد، وقد قام الأساتذة بارك الله فيهم بتشخيص هذا الداء العضال في العمود الفقري للأسرة الجزائرية.

ولكن ألا ترى معي أيها القارئ الكريم، أن من دواعي نجاح استئصال الداء، الفهم الجيد لطبيعة المرض، ومن ثم إعطاء الدواء الناجع الذي لا نقول: أنه يقضي على المرض كله دفعة واحدة، ولكن تدريجيا يكون له الأثر الطيب…فنحن حقا شخصنا الداء، وشخصناه تشخيصا جيدا لا خطأ فيه، ولكن هل بدأنا بوضع اللبنات الأساسية التي تقوم عليها منهجية كاملة متكاملة، لامتصاص ولو الشيء القليل لهذه الظاهرة التي تكاد تأكل الأخضر واليابس، نعم عندما تصبح المدارس الابتدائية فيها حالات عنف بالسلاح الأبيض، فهنا لابد لنا من وقفة حازمة وحازمة جدا…عندما تضرب الأستاذة وتصبح المسكينة خائفة تترقب أو أنها تستقيل، أو تغير المدرسة، والكثير من القصص التي لا يستطيع الفكر أن يصدقها…

حقا لقد حزَ في نفسي أن نوعية الجزائري والجزائرية رغم الطيبة الكبيرة التي يتمتعون بها، إلا أن ضحكهم عصبي، وألمهم عصبي، وحديثهم ولو كان عاديا فإنه عصبي، حتى في بيعهم وشرائهم، ويقول الحق تعالى في سورة الرعد: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).

ولنتعرف الآن على بعض الأسباب المؤدية إلى تأسيس سلوك العنف عند الطفل، الذي هو رجل الغد ولا ريب.

تجمع أغلب الدراسات النفسية والاجتماعية على أن سلوك العنف على المستوى الفردي أو الجماعي هو: عادة مكتسبة متعلمة تتكون لدى الفرد منذ وقت مبكر في حياته من خلال العلاقات الشخصية والاجتماعية المتبادلة، ومن خلال أساليب التنشئة الاجتماعية. ويمكن إجمال أهم الأسباب المؤدية لتأسيس سلوك العنف لدى الأطفال في العوامل الآتية:

النواة وهي الأسرة منها:

– التنشئة الخاطئة مثل (القسوة – الإهمال – الرفض العاطفي – التفرقة في المعاملة – تمجيد سلوك العنف من خلال استحسانه، القمع الفكري للأطفال، من خلال التربية القائمة على العيب والحلال والحرام، دون تقديم تفسير لذلك – التمييز في المعاملة بين الأبناء).

– فقدان الحنان نتيجة للطلاق، أو فقدان أحد الوالدين.

– الشعور بعدم الاستقرار الأسري، نتيجة لكثرة المشاجرات الأسرية والتهديد بالطلاق.

– عدم إشباع الأسرة لحاجات أبنائها المادية، نتيجة لتدني المستوى الاقتصادي.

– كثرة عدد أفراد الأسرة، فقد وجد من خلال العديد من الدراسات، أن هناك علاقة بين عدد أفراد الأسرة وسلوك العنف.

– بيئة السكن فالأسرة التي يعيش أفرادها في مكان سكن مكتظ، يميل أفرادها لتبني سلوك العنف كوسيلة لحل مشكلاتهم…

– ومنها كذلك الأم والأب أصبح اليوم همهم الأول والوحيد هو: توفير الجانب المادي، ولا يهم الجوانب المتبقية ولو كانت هي الأساس، فما بالكم بأطفال يقضون يومهم كله من السادسة صباحا إلى السادسة مساء وهم من المدرسة إلى الحضانة، إلى الجارة، فتلتقي الأسرة بالليل، والكل على أعصابه، الأم تجري لتوفر الطعام، والأب متعب طوال اليوم، والأطفال ممزقين بين هذه وتلك، ومحدقين في تلفاز يأخذهم يمنة ويسرة، أو بألعاب جهنمية…

في زمن مضى كانت الجدة والجد، لهم الأثر الطيب في التربية الأسرية، وحتى الأم، عندما كانت تضحي بسعادتها من أجل أولادها، الذين هم هدية منها لبلدها الطيب، وافتخارا وعزة لها، لأنها قدمت نموذجا رائعا في التضحية من ناحية، وزيادة على ذلك، فإنها ساعدت بصورة إيجابية بإضافتها قيمة أخلاقية لهذا المجتمع، الذي هي جزء لا يتجزأ منه…

إذن القضية كبيرة وكبيرة جدا، عندما أصبحنا نسمع ونقرأ صباح مساء، التلميذ ضرب أستاذه، والأستاذ تهجم على التلميذ، والابن ذبح أمه، والأب طرد ابنه، والكل يعيش في غابة ليس لها أول من آخر.

ومن هنا ندرك أن هذا الداء الذي تمكن من المجتمع يتطلب استئصاله تظافر جهود عدة أطراف، تبدأ من البيت إلى المدرسة التي بإمكانها عبر برنامجها التعليمي والتربوي أن تغرس الكثير والكثير في نفوس هذه البراعم التي هي أمل المستقبل المشرق المستقبل المتخلق. الذي لا مكان فيه للعنف…كما تسهم فيه مختلف الهياكل الثقافية والدينية والأمنية والقضائية كل في مجال اختصاصه وفي حدود صلاحياته المخولة له، فالعنف كما أنه يتهدد الجميع فإن مقاومته هي قضية الجميع

Exit mobile version