يفتخر الغرب بأنهم أول من فكروا بحقوق الإنسان، فسعوا إلى تحقيق هذه الفكرة والتي أعلنتها الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م، المادة (31).
حيث تنص على احترام الإنسان كمخلوق وعلى حقوقه أكانت اجتماعية اقتصادية صحية إلى جانب الاعتقاد الديني، ورغم دقة وشمولية ذلك الإعلان العالمي، إلا أنه توسع في الحريات، حتى أعطـى للمرأة والرجل حق الزواج ما دامت الرغبة موجودة لديهما، متجاهلا موافقة الوالدين والشهود إلخ..
بل تعدى إلى أعطائه حق تغيير دينه، ولكن الإعلان الحقيقي الشامل لحقوق الإنسان لم تكن يوما ميلاد أمريكا أو غيرها إنما جاءت به الرسالة المحمدية الخالدة خلود هذا الدين العظيم والتي لن تندثر إلى قيام القيامة.
هي رسالة باسم معانيها نطق بها من لا ينطق عن الهوى رسالة كانت ولا تزال تتردد في حياتنا من المهد إلى اللحد..تلك التي احتوته خطبة الوداع المشهورة التي ألقاها النبي القائد والمعلم الأول محمد -صلى الله عليه وسلم- في يوم الوقفة بعرفات والذي صادف يوم جمعة في السنة العاشرة من الهجرة والتي كانت موجزة شاملة ودقيقة ولم تزد عن (173) كلمة، وركز فيها عليه الصلاة والسلام على (حرمة الدماء والأموال) فربط حرمة الدماء والأموال بحرمة يوم الوقفة وحرمة شهر ذي الحجة وحرمة مكة المكرمة (حرمة الزمان والمكان) وأعلن عن الكراهية الشديدة لكل أمور الجاهلية البغيضة ووضعها تحت قدمه عليه السلام، ثم حذر المسلمين من دماء الجاهلية (الأخذ بالثأر) وتنازل عليه السلام عن دم ربيعة بن الحارث الذي قتلته هذيل، ثم اتبع ذلك بتحريم الربا وندد بربا الجاهلية، وكان قدوة حسنة ليس فقط في تنازله عن دم ربيعة بل أبطل ربا آل عبد المطلب، وخاصة كل ربا عباس بن عبد المطلب
ثم أمر المسلمين أن يتقوا الله في النساء فهن أمانة في أعناق الرجال، وأشار غير ناسي واجب النساء تجاه الرجال، فلا تتعدى ولا يتعدى عليها، حيث أكد عليه السلام مسؤولية الأزواج وولي الأمر على تأمين مقومات الحياة للنساء من الرزق والكسوة كل تحت رداء المعاملة بالمعروف لنقف بعدها على مجموعة من الأقوال والأعمال منها (قوله: السكينة السكينة) عندما كان مجموعة من الحجاج يضربون الإبل بشدة لتسرع أثناء النفرة من عرفات، وقوله عليه السلام ــ عندما كان يرمي الحجرات (إن أمر عليكم عبد أجدع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوه).
وكان يشد زمام ناقته حتى يصل رأسها لرحلته عليه السلام ليمنعها من السرعة رحمة بالحجاج فإذا وجد فجوة تقدم، وقوله عليه السلام في يوم النحر: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم (أضاف الأعراض) حرام عليكم) وذكر حرمة الوقفة، وشهر ذي الحجة ومكة المكرمة (كما فعل في خطبة الوداع) ثم أضاف عليه السلام: إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه.
والمتأمل الكيس الفطن يجد أن خطبة الوداع وما قيل في المشاعر اشتملت على (حق الحياة)، (حق التملك)، (حرمة الأعراض)، (حرمة الربا)، (التنديد بمساوئ الجاهلية)، (سلامة المرور)، (محاربة العنصرية)، (طاعة ولاة الأمر)، (محاربة الفتن)، (حق المرأة)، (حق الرجل على المرأة)، (الالتزام بما جاء به الكتاب)، وهي كلها حقوق الإنسان فأنى لغيرنا أن يفخر بمادة أو غيرها ونحن أولى من أي كائن من كان أن نفخر ونتذكر دائما وأبدًا يوم الوقفة وخطبة خطبة الوداع التي ما هي إلا الإعلان الحقيقي العالمي لحقوق الإنسان.