نظرت إلى الاقتصادات التي تطورت فوجدتها على قسمين، اقتصادات تطورت وكانت نهايتها أزمات خانقة، وهي تلك الاقتصادات التي عززت مفهوم الأنا وجسدت مقالة أدم سميث “دعه يعمل دعه يمر” أسوأ تجسيد، حيث أسست للرأسمالية الجشعة بكل ما تحمل كلمة الجشع من معان مادية ومعنوية، فكان رجل الأعمال الرأسمالي الذي لا يقبل أن يقف في وجهه أي شيء.
وعليه شيئا فشيئا تطور الوضع إلى أن جاءت سنة 2008 من القرن الواحد والعشرين لتفضح وتكشف حقيقة هذا النظام في شقه الاقتصادي بعد أن فضح في شقه السياسي.
ودول أخرى حاولت أن تعتمد نموذج الرأسمالية مع شيء من الأخلاق والقوانين التي تحمي الفرد والمجتمع من مخاطرها، وكأن هذه الدول حاولت أن تأخذ من الرأسمالية أفضل ما فيها لصالح الفرد والاقتصاد الكلي، ومن الاشتراكية أجود ما فيها للصالح العام، فكانت روح المبادرة الفردية في حدود قوانين لا تحرم الفرد من تحقيق طموحاته، ولا تحرم المجتمع من تكافله وتضامنه ورعايته في مختلف الجوانب.
ففي المجموعة الأولى كانت الولايات المتحدة الأمريكية أسوأ نموذج عزز الجشع الاقتصادي الخالي من أخلاق الأعمال، أما المجموعة الثانية فقد جسدتها عدد من دول الاتحاد الأوروبي كألمانيا وبلجيكا وبشكل كبير جدا كندا والدول الاسكندنافية كالنرويج والدنمارك والسويد، حيث كانت أنظمتها الاجتماعية نموذجا راقيا في تجسيد الأخلاق الاقتصادية لتحمل بعدا اجتماعيا يضمن تماسك المجتمع.
الإشكال الذي أحاول أن أطرحه من خلال هذه المقال هو: أين نحن من كل هذا؟ هل نحن النموذج الأمريكي الجشع؟ أم نحن النموذج الكندي أو الإسكندنافي الاجتماعي؟
لا أخفيكم إن قلت أن حالنا يشبه بحق وحقيقة ذلك الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمام فلم يوفق، فلا هو استرجع مشيته كغراب، ولا هو أتقن مشية الحمام.
ففي بلادنا أراد رجل الأعمال أن يكون رأسماليا فكان أقسى من الرأسماليين ذاتهم، وأرادت الدولة أن تنقل شعبنا نقلة قوية إلى اقتصاد السوق ففتحت الباب على مصراعيه فكانت الكارثة، سلع من كل أنحاء العالم، حتى من الكيان الصهيوني دخلت أسواقنا ودمرت صحتنا واستنزفت أموالنا.
في المقابل أبقت الحكومة على مجانية التعليم، ومجانية العلاج، والدعم لعدد من المنتجات، والتأمين الصحي، وغيرها من الخدمات والامتيازات التي تقدم للشعب، لكن بأي نوعية، وبأي مستوى، وبأي أسلوب؟
الحقيقة أنه قدمت لنا أسوأ الخدمات، وأدنى المستويات وبإهانة كرامة المواطن التي أصبحت في الحضيض وكلما فتحنا أفواهنا ذكرتنا الحكومة بالخير العظيم الذي تقدمه لنا، وكأنه من جيبها، ومن رزقها الخاص، ويهدد الشعب بأسعار البترول، ورفع الضرائب، وإلغاء الدعم، والتراجع عن المجانية في تلك الخدمات