أحداث دولية
إشراك الميليشيات الشيعية في التحالف حربٌ على "داعش" أم على سُنّة العراق؟
مع بدء التحالف العالمي الذي يضم أكثر من 40 بلداً في شنّ غارات جوية على مواقع “داعش” قرب بغداد الأسبوع الماضي إيذاناً ببداية حربه على هذا التنظيم، تتزايد المخاوف، ليس فقط من تداعيات هذه الحرب الواسعة على سكان المحافظات العراقية الست التي ستستهدفها الغارات الجوية الأمريكية والغربية، بل أيضاً من التجاوزات التي يخشى أن ترتكبها على نطاق واسع الميليشياتُ الشيعية التي يُعتمد عليها في هذه الحرب كقوة برية رئيسة إلى جانب ميليشيات البشمركة والجيش العراقي.
الواقع أن هذه الحرب قد بدأت في 8 أوت الماضي حينما تدخل الطيرانُ الأمريكي بشكل عاجل لتوجيه ضربات جوية مكثفة لمقاتلي “داعش” الذين بسطوا سيطرتهم على عددٍ من المدن الكردية وأضحوا يهددون العاصمة أربيل، ومكّنت هذه الضربات الجوّية من كبح جماح “داعش” ومنع تقدّمها باتجاه المزيد من المدن الكردية، ما أدى إلى قيام البشمركة (الميليشيات الكردية) بهجوم معاكس تحت غطاء جوي أمريكي مكّنها من استعادة بعض البلدات والمدن من يد “داعش” بمساعدة القوات العراقية المدعومة بميليشيات شيعية، أكبرها مدينة “آمرلي”، أما الضربات التي بدأها الطيرانُ الأمريكي قرب بغداد ابتداءً من يوم 16 سبتمبر الجاري، فهي تهدف أساساً إلى الإعلان عن بداية حرب الحلفاء على “داعش”…
وتثير التقارير الواردة من ميادين المعارك منذ شهر أوت إلى حدّ الساعة مخاوفَ كبيرة من امكانية حدوث تجاوزات خطيرة بحق أهل السنة الذين يقطنون بالمحافظات العراقية السنية الستّ الثائرة على الحكومة المركزية منذ سنوات على خلفية تفاقم مظاهر الطائفية والاقصاء والتهميش ضدهم؛ إذ أشارت التقارير إلى قيام الميليشيات الشيعية بتجاوزات عديدة بحق السكان السنة في “آمرلي” ومدن أخرى بمحافظة صلاح الدين بعد استعادتها من “داعش” في الأيام الماضية بتعاون جوي أمريكي، وقد اعترف مقاتلون عديدون من البشمركة شاركوا إلى جانب المقاتلين الشيعة في معارك استعادة هذه البلدات والمدن، بأن الميليشيات الشيعية قد ارتكبت مذابحَ وتجاوزاتٍ كثيرة بحق السكان السنة، بذرائع شتى ومنها التعاون مع “داعش”، وهدد البشمركة بالتحوّل إلى قتال الميليشيات الشيعية إذا لم تكف عن قتلها للمدنيين السنة.
وتنظر الميليشيات الشيعية إلى سكان المحافظات الست المنتفضة على الحكومة منذ سنوات، على أنهم “دواعش” ولذلك يحقدون عليهم، ويعاملونهم في كل مدينة يستعيدونها من “داعش” كأعداء ويمارسون بحقهم شتى المناكر، دون أن يستفيدوا من أيّ درس من ممارسات المالكي بحق سُنة العراق والتي أفضت في الأخير إلى احتضان كثير من السنة لـ”داعش”، ما حوّلها إلى قوة ضاربة تجذرت بالمنطقة واجتاحت عدة مدن بشمال العراق في ظرف أيام معدودات في جوان الماضي وأدى ذلك إلى إسقاطه لاحقاً من رئاسة الحكومة…
وإذا كانت الميليشيات الشيعية قد عادت إلى ممارساتها الدموية القديمة التي عاشها العراق إبان الحرب الطائفية في عامي 2006 و2007، مع أن “حرب الحُلفاء” في بدايتها فقط واقتصرت على ضرباتٍ جوية أمريكية محدودة، فما الذي سيحدث بعد أن تشتدَّ الحرب الدولية الموسَّعة على “داعش” وتتمكن الميليشيات بمعيّة الجيش العراقي والبشمركة من استعادة أغلب المدن من “داعش”؟ ما الذي ستفعله بحق المنتمين إلى أهل السُّنة الذين احتضنوا “القاعدة في بلاد الرافدين” منذ 2003 والتي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى “داعش”؟
إننا نخشى أن تُلحق طائراتُ الحلفاء دماراً هائلاً بمناطق السنة في المحافظات العراقية الست تحت غطاء “تدمير قدرات داعش”، ثم تزحف الميليشيات الشيعية برا لتكمل ما لم تنجزه الطائرات وتنكِّل بأهل السنة ما دامت تفكر بذهنية طائفية انتقامية بغيضة، ولا تكترث بوحدة الشعب وتفسّخ البلد.
لو كانت أمريكا حريصة على نجاح حربها على “داعش” والقضاء على خطره، لأسندت مهمّة محاربة هذا التنظيم إلى بعض الجيوش النظامية لحلفائها في هذه الحرب، كجيوش دول الخليج والأردن وغيرها.. أو إلى ما يُشبه “الصحوات” السنية في مناطقها، عوض أن تسندها إلى الميليشيات الشيعية التي أثبتت مدى حقدها وكراهيتها للسنة في عامي 2006 و2007 وتسببت آنذاك في مقتل 180 ألف عراقي على الأقل من الطائفتين، معظمهم من السنة، أم أنها تنتظر منها هذه المرة التجرّد من طائفيتها والتصرّف كجيش نظامي؟
كانت هناك مخاوف من أن تسليح البشمركة وإشراكها في هذه الحرب قد يؤدي لاحقاً إلى استقلال كردستان العراق بحيث تصبح البشمركة جيشَها النظامي، أما الآن فقد تضاعفت المخاوف من إشراك الميليشيات الشيعية، إذ أن تفاقم تجاوزاتها سيُفضي في النهاية إلى اشتداد ثورة سُنة العراق والتفافهم أكثر حول “داعش”، فهل تطمح الولايات المتحدة وحلفائها إلى كسب المعركة ضد هذا التنظيم الذي تتعاظم قوته باستمرار دون إشراك السُّنة فيها ودون الضغط على العبادي للاسراع بتنفيذ اصلاحات سياسية عميقة تعترف لهم بحقوق المواطنة والمساواة التي حرمها منهم المالكي طيلة 8 سنوات من حكمه؟
طائفية هذه الميليشيات وممارساتها البغيضة بحق أهل السنة وأمعانها في قتلهم على الهوية، هي التي أدت إلى تقوية “القاعدة في بلاد الرافدين” في السنوات الماضية، والتي كانت شوكة في حلق الاحتلال الأمريكي، فهل تطمع أمريكا في نتائج أفضل الآن مع “داعش” بالاعتماد على السياسة نفسها؟
يقال إن المقدّمات نفسها تؤدي دائما إلى النتائج ذاتها، ولكن أمريكا لا تتعظ بدروس التاريخ كما يبدو.
بقلم الأستاذ حسين لقرع