مازالت وسائل الإعلام المضللة المأجورة تواصل حملاتها المشبوهة على شيخ الحركة الإسلامية المعاصرة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، فمنذ أيام قليلة نشر موقع تابع لدار الإفتاء المصرية، رداً على لسان مستشار المفتي المصري استنكر فيه ما وصف بأنه فتوى للشيخ القرضاوي يحرم فيها الجهاد في فلسطين مستشهدا بكلام نقلته بعض وسائل الإعلام ونسبته للشيخ جاء فيه: “بأن فتح باب الجهاد بفلسطين المحتلة لا يعتبر ضرورة وأن الواجب حالياً هو الجهاد في سورية” ووصف هذا المعتوه الفتوى/ الفرية بأنها“مسيسة وتصب في صالح مخطط التقسيم الذي يدبر للمنطقة بأكملها“، وراح هذا العبيط يستحضر كل ما درسه في باب الجهاد ليرد على أكاذيب لا يصدقها حتى من كتبها، بله المتلقي الواعي الذي أصبح يدرك حجم التضليل الخطير الذي تسوقه هذه الوسائل الحقيرة المأجورة.
ولنقرأ بعضاً مما جاء في بيان مستشار المفتي واسمع رحمك ورحمني الله هذا الكلام يقول هذا المعتوه: ” أن القضية الفلسطينيةإسلامية وعربية ولن يسترد فلسطين إلا المسلمون وليس الدعوة لإراقة دماء المسلمين والتحريض على مسلسل الاقتتال الداخلي الذي تشهده المنطقة بأسرها” ويتابع بيانه المتهافت المردور عليه قائلاً: ” الجهاد هو في الأصل من فروض الكفايات لابد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية حيث ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صد عدوان أو دفع طغيان فيكون قرارهم مدروسا دراسة صحيحة فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا تحكمها الحكمة أو زمام التعقل“، ولنحول الوقوف عند هذا البيان الذي أصدرته مؤسسة تابعة لنظام استبدادي انقلابي، قام أساسا على جماجم أبناء مصر الضعفاء المقهورين، يوم قرر سرقة الحكم، وإلغاء الشرعية التي فرضتها أدبيات ثورة 25 يناير، واليوم يأتي هذا الانقلابي الحقير ليعلِّم الشيخ القرضاوي حُبّ فلسطين والدفاع عنها انطلاقاً من حالة سياسية جديدة لم تعرف مصر مثيلاً لها في تاريخها كلّه، إلا مع هذه الطغمة العسكرية الكريهة التي شوهت وجه مصر وتاريخها السياسي والثقافي والديني، الشيخ القرضاوي الذي قضى أكثر من ستين سنة في الدعوة إلى الله، والدفاع عن القضية الفلسطينية، يعلمه إنسان مأجور تافه معنى الالتزام بقضايا الأمة، وخصوصاً القضية الفلسطينية التي كتب عنها كتباً عدة، وزار أهل غزة المحاصرين، واصدر عشرات البيانات حول القضية الفلسطينية، ورفضت دول بعينها دخول أراضيها لمواقفه من العدو الصهيوني وجرائمه في فلسطين، واليوم تقف جهات معادية لقضايا الأمة ولأصالتها، بحملات مكشوفة لكلِّ ذِي لُبٍ رشيد باختلاق الأكاذيب، وتمييع الحقائق وإبعادها عن أنظار الجيل الجديد ممن لا يعرف الشيخ القرضاوي وتاريخه المشرف النّظيف، وتاريخ الحركة الإسلامية الأصيلة عموماً. وقد ردّ الشيخ على هؤلاء بقوله: “…لقد ألفت عدة كتب عن قضية فلسطين (درس النكبة الثانية لماذا انهزمنا وكيف ننتصر)، و(القدس قضية كل مسلم) و(فتاوى من أجل فلسطين) وموسوعة (فقه الجهاد) في جزأين كبيرين، أوجب فيها جميعاً الجهاد لتحرير فلسطين، بالنفس والمال”.وجاء في بيان أصدره الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بداية أحداث غزة: ” حرام على الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها أن ترى غزة تضرب براً وبحراً وجواً، ثم تخذلها، بينما تنصرها شعوب العالم”. وختم الشيخ بقوله: “طوال حياتي وأنا أعلن وجوب الجهاد في فلسطين، ضد إسرائيل المحتل الغاشمة، من سنة 1948م وإلى اليوم، ولو كان عندي القدرة الآن لذهب إلى فلسطين لأقاتل. ناديت ولا أزال أنادي للجهاد فلسطين، وقضية فلسطين هي قضيتنا الأولى التي لا تنسى”.
لم يكن هذا البيان –بيان دار الإفتاء المصرية -الظالم للشيخ ولمكانته السامقة عند أبناء الحركة الإسلامية في فلسطين، وفي العالم الإسلامي، إلا حلقة ممتدة لن تتوقف عند شخصه وحسب، بل ستصل إلى كلّ رموز الأمة؛ لأن هذا المشروع الخبيث يراد له أن يُميّع كلّ ما له قدسية ورمزية، وضرب الرموز مقدمة لضرب القضايا المركزية الكبرى للأمة، فإذا هان عند المسلم عالم ربانيّ بمكانة الشيخ القرضاوي، هانت قضية كبيرة مثل القضية الفلسطينية، وهكذا دواليك حتى تأتي الدائرة على مصدرِ عزِّ وكرامةِ ومكانةِ هذه الأمة، وهو الإسلام.
كنا ننتظر ألا يتطور الأمر ويخرج عن الدائرة المغلقة التي رسمها النّظام المصري الجديد في صراعه مع قيم المجتمع وثقافته، وحربه على كل من عارض مشروعه المربوط بالدوائر الغربية، فإذا الذي يقرأ في وسائل الإعلام المصرية، من الأكاذيب والافتراءات، يجد عند من يشبهه في الأهداف والوسائل عندنا الجزائر ضالته وأي ضالة، فلم تمر إلا ساعات على نشر هذه الافتراءات، حتى وجدنا من يخصص لها الصفحات لينقل الخبر الكاذب للقارئ الجزائري مع التحليل المتهافت، فكتبت جريدة النّهار عنواناً بارزاً في صدر صفتها الأولى: “القرضاوي يفتي بعدم الجهاد في فلسطين ويقول أن الجهاد في سوريا“ وانظر لعنوان كهذا كيف يقرأه متلق جزائري في قرية نائية، أو حتى في بلدة عامرة بالمثقفين، وأثره البالغ على نفسيته البسيطة، ونحن ندرك كيف ينظر الإنسان العربي المسلم البسيط إلى القضية الفلسطينية، وكيف يستوي عنده أن يكون الجهاد في سوريا شرعياً، أما في فلسطين فهو -عند القرضاوي- لا يجوز، أنا اعلم أن الكثير من أبناء الحركة الإسلامية لا يعني لهم هذا الهجوم على الشيخ وعلى رموز الأمة عموماً شيئاً، فهم واعون بما فيه الكفاية لأهداف هذه الوسائل الإعلامية الخبيثة، لكن الأمة ليست بنفس السوية من المعرفة والعلم، فقد صادف أن تحاورت مع مثقفين جزائريين أدهشني حجم الحقد والكره للشيخ القرضاوي، لا يفوقه إلا كره اليهود الصهاينة، ويومها أدركت أن الإعلام سلطة ربما تفوق أي سلطة أخرى، فاللهم اجعلنا خداماً للحق والعدل والحرية.