مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

عيد بأية حال عدت يا عيد..؟! أ.عبد الحميد عبدوس

10 لاشك أن شعور أبناء غزة المقاومة بالعيد هو أشد حزنا وأكثر مرارة وأعمق حزنا من شعور الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي خلد شعوره في بيته الشعري الذي سار حكمة يتداولها الناس كلما استفزهم هول المفارقة بين الواقع البغيض والمعنى المتخيل للعيد السعيد!

فإذا كان الشاعر أبو الطيب المتنبي قد رثى لحاله وندب حظه لأنه كان مطاردا في الصحراء من جند حاكم مصر كافور الأخشيدي، بينما كان الناس يجتمعون بأحبتهم ويتبادلون التهاني بينهم بحلول العيد، فإن غزة قد تحولت بفعل العدوان الصهيوني الهمجي إلى ما يشبه القبر المفتوح، جثث متناثرة في الطرقات وتحت أنقاض المنازل المهدمة وأشلاء ممزقة لأطفال لا تصل إليهم سيارات الإسعاف التي تتعرض للقصف والمنع من طرف الصهاينة المجرمين تحت أنظار وسمع العالم!

بيوت مهدمة، وأجساد ممزقة، وصرخات الثكالى ودموع اليتامى ونحيب الأرامل، هي قسمات المشهد الفلسطيني في قطاع غزة المكلومة، فمن أين يأتي الفرح في يوم العيد؟!

وإذا كان أبو الطيب المتبني قد تعرض لغضب حاكم مصر كافور الأخشيدي ومطاردة جنده بسبب قصيدة هجاء قالها فيه، فإن أهالي غزة يتعرضون لحرب إبادة جماعية يشنها عليهم جيش الاحتلال الصهيوني بكافة أنواع أسلحة الدمار الجوي والبري والبحري، ويتعرض من بقي منهم على قيد الحياة لمحنة المحاصرة والتجويع ومنع وصول قوافل المساعدات الغذائية والطبية إليهم من طرف جنود حاكم مصر المشير عبد الفتاح السيسي بسبب العداء المستحكم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)! عندما قرأت خلال احتدام الهجوم الصهيوني على غزة في عملية الرصاص المصبوب” في نهاية عام 2008 ما نسبته صحيفة إسرائيلية للرئيس المصري –آنذاك- حسني مبارك أنه قال لأعضاء الوفد الأوروبي الذي زار مصر في محاولة إيجاد صيغة لتحقيق وفق إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية بأن “حماس يجب ألا تخرج منتصرة من تلك الحرب”، حاولت أن أقنع نفسي بأن ذلك الخبر المنقول عن صحيفة “هارتس” الإسرائيلية هو مجرد تسميم إعلامي وتضليل مدروس لتعميق شقة الخلاف في الصف العربي، خصوصا أن صحيفة هارتس كانت قد نشرت في بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة أن وزير الخارجية الإسرائيلية –آنذاك- (وزيرة العدل الحالية) تسيبي ليفني أخبرها نظيرها المصري أبو الغيط بتوقيت شن العدوان على غزة واستمرت في خداع حركة حماس بإيهامها بالسعي لتمديد الهدنة ثم شنت عمليتها الغادرة التي حصدت في يومها الأول مئات الأرواح من الشهداء الفلسطينيين، من بينهم عدد من قادة المقاومة، مما شكل مفاجأة وصدمة للرأي العام الغربي. وبعد ما تبين حقيقة وجود ذلك التنسيق المخزي بين إسرائيل ومصر، حاولت أن اقنع نفسي بأن النظام المصري بقيادة حسني مبارك قد وصل إلى الدرك الأسفل من خيانة القضية القومية والتفريط العلني في قضية فلسطين، وأنه من المحال أن يأتي نظام مصري أسوأ أو شبيه بما أقدم عليه نظام حسني مبارك، لأن مصر شكلت على مدى عقود من الزمن أصلب حلقة في نظام الأمن العربي، وتزعمت حركة التحرر العربي وجعلت من تحرير فلسطين أولوية مصرية وركن الأمن القومي المصري، ولم أتصور أن تصل الأمور إلى أن تصبح مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي بمثابة الغطاء السياسي للعدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة. بل إن تحيز النظام المصري للعدوان الإسرائيلي تفوق لأول مرة في تاريخ الصراع بالشرق الوسط على التحيز الأمريكي لإسرائيل! بدليل أن إسرائيل سارعت إلى قبول مبادرة التهدئة المصرية منذ إعلانها ورفضت القبول بمقترحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتحقيق التهدئة.

التحيز المصري لإسرائيل ودعمها لعدوانها على الشعب الفلسطيني ولحربها الإبادية على أهالي قطاع غزة لم يعد سرا، بل إن وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني صرحت للتلفزيون الإسرائيلي قائلة: “يتوجب استغلال التحسن الكبير في العلاقة مع مصر والعلاقات الخاصة مع الأردن وتوظيف التقاء المصالح مع السعودية ودول الخليج في بناء محور إقليمي لتحسين قدرة إسرائيل على محاربة الإرهابيين” (تقصد حركة حماس). وفي مقال نشرته صحيفة إسرائيلية أكد جنرال متقاعد “أن حرص السيسي على تدمير الأنفاق أسهم في الواقع في تحطيم البنية العسكرية والاقتصادية لحركة حماس وأن إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر رفع الغطاء السياسي عن حماس”

ويمكن القول أن إسرائيل التي أصبحت حليفا لمصر ودول عربية أخرى في الحرب على حماس، تواصل فقط من خلال عمليتها العسكرية “الجرف الصامد” ما بدأه نظام السيسي “ من تحطيم البنية العسكرية والاقتصادية لحركة حماس”.

ولعل المطلع على ما تبثه وتنشره وتذيعه وسائل الإعلام المصرية المختلفة يقتنع بأن العدو الأساسي والاستراتيجي لمصر هو حركة حماس وليست إسرائيل. وبذلك وصل النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي إلى تبديد شبه كامل لرصيد مصر المشرف والرائد في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل إنه وقع بمواقفه المنحازة للعدوان الإسرائيلي شهادة وفاة الدور القيادي لمصر في المنطقة العربية، والدليل أن المقاومة الفلسطينية ترفض لأول مرة القبول بمبادرة وقف إطلاق نار تصدر من مصر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى