في الوقت الذي يقدّم فيه الفلسطينيون في غزة تضحياتٍ جسيمة من أجل رفع الحصار عنهم وتكسير العجرفة الصهيونية، ويتعرّض فيه مئاتُ الأطفال والنساء والشيوخ لمذابح نازية يومية صدمت العالمَ كله، لا يتورع بعض المتصهينين العرب عن الجهر بمواقفهم المخزية المعادية للمقاومة الشريفة في غزة وشدّ أزر المعتدين الصهاينة، وهو ما فاجأهم كثيراً وأشادوا به في مختلف وسائل إعلامهم ووظفوه لتبرير المجازر الوحشية المرتَكبة في أحياء الشجاعية وخزاعة وتحميل مسؤوليتها لحماس، على طريقة “وشهد شاهدٌ من أهلها”.
دعت أديبة وكاتبة سعودية اسمها سمر المقرن الصهاينة إلى ضرب حماس والقضاء عليها، لتعزز بذلك دعوة نائبة رئيس تحرير “الأهرام” التي قالت قبل أسبوعين “كثر خير نتنياهو الذي سيخلصنا من سيطرة حماس على القطاع”، في حين رفع أحد أشهر الفلوليين المعادين لثورة 25 يناير 2011، الإعلامي توفيق عكاشة، نعله في فضائيته النتنة “الفراعين” دون خجل وقال بعجرفة واستعلاء وهو يصعِّر خدّه إنه يضرب به “حركة حماس وقطر وتركيا” لأن الأولى رفضت قطعاً المبادرة المصرية التي تهدف إلى فرض سلام ذليل على المقاومة وإنقاذ الصهاينة من مستنقع غزة، وتبرِّئها من مجازرها الفظيعة وتمنحها شرعية دولية مزيفة وتحمّل مسؤوليتها لحماس، أما قطر وتركيا فلأنهما تنافسان مصر وتريدان خطف دورها الإقليمي منها، من خلال طرح مبادرات أخرى لوقف الحرب تلبي الحدّ الأدنى من شروط المقاومة وفي مقدّمتها رفع الحصار الصهيوني- المصري المشترك المضروب على غزة منذ منتصف عام 2006، وهو ما أثار حفيظة النظام الإنقلابي المصري وأزلامه الإعلاميين الحاقدين الموتورين الذين “تخصصوا” في تزييف الواقع ونصرة الباطل وشيْطنة الإخوان وحماس منذ إنقلاب 3 جويلية 2013 إلى الآن.
وعلى نفس النغمة سار عددٌ كبيرٌ من إعلاميي الفتنة والشرّ والبغي في وسائل الإعلام المصرية والذين يشنون حملة إعلامية مكثفة منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على غزة، يقومون خلالها بتشويه الحقائق بشكل سافر والاستمرار في شيْطنة حماس وتحميلها كل المسؤولية على المجازر الصهيونية الفظيعة المرتكبة في غزة، ضد مئات الأطفال والنساء والمدنيين؛ فهي التي رفضت المبادرة المصرية لوقف القتال دون قيد أو شرط، ولذا تتحمل المسؤولية، حسب زعمهم، عن الجرائم الصهيونية النازية ضد المدنيين.
تصوروا أن إعلامياً مصرياً ظهر في برنامج حواري في قناة “فرنسا 24” ودافع باستماتة كبيرة عن المجازر الصهيونية في الشجاعية وغزة، وحمّل حماساً مسؤوليتها دون أدنى خجل أو حياء، حتى قصف أحد المستشفيات وتدميره على رؤوس المرضى برّره هذا المتصهين بأن طابقه الأرضي يُعدّ مخزنا لصواريخ حماس، وهنا تدخلت ناشطة يهودية تعيش في باريس ونبّهته إلى أن القانون الدولي يمنع تدمير المستشفيات حتى ولو حوت مخازنَ للصواريخ، وأنها كيهودية تخجل من المجازر الصهيونية المرتكبة في غزة طيلة أسبوعين وذهب ضحيتها مئات الأطفال والنساء، فاستمر الإعلامي المصري في تبرير تلك المجازر، فذُهلت الناشطة اليهودية أكثر وقالت له باحتقار واستغراب: “هل أنت عربي؟ ألا تخجل من نفسك؟”.
وحينما يُدين يهودٌ غير صهاينة جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين، ويخرج بعضُهم في مظاهرات غاضبة في مختلف عواصم العالم ومدنه الكبرى للتنديد بها دون مواربة والتبرؤ منها، وتقوم 10 منظمات حقوقية داخل الكيان الصهيوني نفسه بإدانة هذه المجازر، في حين يقوم مصريون وعربٌ آخرون بتبريرها والدفاع عنها وتحميلها للمقاومة ظلماً وعدواناً، فإن هذا يؤكد أن العمالة للصهيونية وموالاتها قد أصبحت “شرفاً” لدى هؤلاء المتصهْينين الذين فقدوا كل إحساس بالكرامة والنخوة العربية وأضحوا يستمرأون العمالة للعدوّ والهوان والنذالة والخسّة ووضاعة النفس…
لقد علمتنا تجارب التاريخ منذ بزوغ الإسلام أن الحروب والأهوال عادة ما تكشف المتخاذلين والمخلّفين من الأعراب والمنافقين الذين ينسحبون قبل المعركة ويتركون المؤمنين يقاتلون وحدهم وهم يعتقدون أنهم لن يعودوا إليهم أحياء، وهاهي محنة غزة تكشف المنافقين الجدد والمتخاذلين والمتصهينين الذين اختاروا موالاة اليهود والغرب ومعاداة المقاومة وطعنها والتآمر عليها بشتى الأشكال لإفشالها والقضاء عليها وإذلال الفلسطينيين، إلى درجة أن إعلامية متصهْينة صرخت كالمجنونة مخاطِبة الفلسطينيين الذين يطالبون “الأشقاء” المصريين بفتح معبر رفح، رئتُهم العربية الوحيدة: “فلتموتوا في غزة.. ما دخلنا نحن؟” في حين دعت متصهْينة أخرى إلى طرد كل الفلسطينيين الموجودين بمصر ومصادرة أملاكهم وإلغاء القضية الفلسطينية تماماً من كل المقررات الدراسية بمصر.
هي مواقف تبقى محفوظة في التاريخ، وإذا لم يُعاقب هؤلاء في الدنيا على مواقفهم المتصهينة المخزية، فلن يفلتوا من العقاب الإلهي يوم القيامة، يوم لا يفلت أحدٌ من الحساب أمام العزيز الجبار، ولن ينفعه طاغية متفرعن ولا عدو ظالم ركنَ إليه، أما المقاومة فلها الله الذي أمدّها بالثبات والصمود وأفرغ على مجاهديها صبراً حتى تحقق انتصارا تاريخيا قريباً بإذن الله يشفي صدور قوم مؤمنين ويُذهب غيضهم، ويذيق الصهاينة وحلفاءَهم المتصهينين الخزيَ والخيبات والحسرات كما حدث لهم بعد انتهاء حرب تموز 2006، ثم تنقلب عليهم ثم لا يُنصرون.