غير مصنف
أيّها المذياع أ.الهادي حسني
إنني أؤمن إيمانا لا ريب فيه بأن كارثة الكوارث في الجزائر بدأت منذ ابتلانا الله – عز وجل – باحتلال أرضنا من قبل هذه الدولة المسماة فرنسا، واستعبادها شعبنا. وإنني لَمُسْتَيْقِنٌ أن ما نعانيه اليوم من تدهور في شتى المجالات، وفي مختف الميادين هو من آثار ذلك الاحتلال البغيض، وسنزداد تدهورا ما بقي هذا الأثر الفرنسي في الجزائر عن طريق أوليائها الذين هم أحرص على مصالحها من حرصهم على مصالح الجزائر.. وكيف لا يكونون كذلك وهم يخربون الجزائر ويعمرون فرنسا، حيث يهربون أموال الجزائر ويملأون بها بنوك فرنسا، ويُكسدون المؤسسات الاقتصادية الجزائرية وينعشون المؤسسات الاقتصادية الفرنسية، وقد قرأنا مؤخرا أن أسعار العقار انخفضت في الدول الأوروبية إلا في فرنسا فإنها في ارتفاع بسبب إقبال أراذلنا على شراء مساكن فيها.
لم تكن فرنسا تستهدف خيرات الجزائر المادية فقط؛ فهذا مما يتصارع عليه حتى الإخوة أبناء الصلب الواحد؛ ولكنها كانت تستهدف استنقاص الجزائري، لتخلق فيه “عقدة”.
ومن أساليب فرنسا ووسائلها لإيجاد هذه العقدة عند الجزائريين ليفقدوا الثقة في أنفسهم إسناد وظائف لجزائريين لا يصلحون لعادة ولا لعبادة، كإسناد خطة الإمامة الشريفة، التي هي نيابة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لأناس أميين، أو شبه أميين كما اعترف بذلك أوغسطين بيرك، مدير الشؤون الأهلية في الجزائر، في مقال نشره في مجلة (البحر المتوسط – جزء 11 – جويلية – أوت 1951)، أو لأُناس قد يكون مستواهم العلمي مقبولا، ولكن ليس لهم همم شريفة، ولا ذمم نظيفة، ولا نفوس عفيفة، فيكونون – هؤلاء وأولئك – حُججا على قومهم، ووطنهم، ودينهم.
لقد جيء بأحد هؤلاء الذي كان أكثر ثقة بفرنسا من ثقته باللّه – عز وجل- لإلقاء محاضرة عما يسمى “منافع جمعية الحرمين الشريفين”، وكانت المحاضرة ستنقل عبر الإذاعة، لـ “يستفيد” منها الناس؛ فإذا بذلك “العالم” – بدلا من أن يحيي المستمعين – مباشرة أو عبر الأثير – يقول: “أيها المذياع (1)”، مما يدل على أن قلبه معلّق بكل شيء إلا بما يجب أن يتعلق به وهو اللّه سبحانه وتعالى.
إنّ فرنسا عندما كانت تحتل الجزائر مباشرة أسندت بعض المناصب إلى “علماء” أضلّهم الله على علمهم، لأنهم أخلدوا إلى الأرض، وغلبت عليهم شهوتهم وشقوتهم، وهانحن نرى في عهد “الاحتقلال” أناسا يعينون في مناصب وهم لا يخطون حرفا ومنهم ذلك الشخص الذي ظن أن كلمة “ميكانيزمات” تعني “آلات” فوعد بشرائها، وظن أن كلمة “فاكس” اسم لشخص، فقال لمن حوله: “قولو لو يسّتنَّى”.
هوامش:
1) جريدة البصائر في 16 – 12 – 1938.